تتأسس الصحافة الاستقصائية على مبدأ التثبت من المعلومة التي تصلھا بمناسبة اشتغالھا على قضية من القضايا، فالصحفي الاستقصائي خلال عمله يقوم بسلوكات وأساليب تحاكي تلك التي يستعملھا عملاء وضباط الاستعلام الأمني، والغاية من ھذا ھو إجلاء الحقائق وإخراج الخبايا في الملفات التي يھتم بھا الرأي العام وتكون أسرارھا خفية.
ولا يكتفي الصحفي الاستقصائي بتعرية أسرار قضية من القضايا وإنما يمتد عمله إلى تحليل معطياتھا وسبر أغوار ثناياھا والتحقق بشكل يقيني منھا.
فالصحافة الاستقصائية تجري أبحاثا وتحريات على القضايا التي تھم الرأي العام وذلك من أجل إيصال المعلومة الحقيقية له ، وكذا المساھمة في مساعدة الجھات المسؤولة والمعنية للقيام بدورھا في المساءلة، كما أن بعض المعلومات قد تحمل عناصر مكونة لأفعال إجرامية فتكون قد قدمت يد العون للسطات القضائية، ولعل أغلب القضايا التي تشغل الرأي العام تلك التي لھا ارتباط وثيق بكل ما يتعلق بفساد القيم والأموال كقضايا الابتزاز والفساد المالي والجرائم التي تحدث اضطرابا خطيرا في المجتمع كالمخدرات والھجرة السرية والاتجار بالبشر وغيرھا…
غير أن نجاح مؤسسة الصحافة الاستقصائية رھين بمجموعة من العوامل التي تساھم في ھذا النجاح، فأول ھذه العوامل ھو وجود مناخ ديموقراطي حقيقي يسمح بتنظيم صحيح وموثوق للعلاقات داخل المجتمع، من أجل خلق جو لحرية التعبير الذي يمنح للصحفي الاستقصائي العمل على الملفات والقضايا دون توجس أو ريبة أو وضع حدود غير ما يسمح به القانون، مع الخضوع التام للقانون المنظم للصحافة والالتزام باحترام حقوق الغير.
وكذلك من العوامل التي تدفع في نجاح المؤسسة الصحفية ذات الاختصاص الاستقصائي وممارسة عملھا بحد أدنى من الكرامة ضمان استقلال مالي لھا، فلكي تكون صاحب رأي يجب أن تكون مستقلا ماليا، وذلك حتى تحمي المؤسسة خطھا التحريري وتحافظ على استقلاليتھا من إغراءات أشخاص المال والنفوذ، وحتى تغطي نفقات التحقيقات في ملفات تتميز بالسرية وأصحابھا ذوو الياقات البيضاء من الصعب البحث في محيطھم دون تكاليف في غالبھا عالية.
وفي غياب هذه العوامل تصبح المؤسسة الصحفية الاستقصائية ومعھا الصحفي الاستقصائي عرضة لكل أشكال الإهانة بدءا من التھميش والنبذ إلى المتابعات القضائية وغير القضائية إلى التعرص للتشھير في العمل والأعراض من أجل تسفيهه وضرب مصداقيته إلى العنف في بعض الأحيان خصوصا إذا كان التحقيق قد يمس بمصالح تھم المال والثروة.
وإن الصحافة الاستقصائية ذات المردود الجيد في منتجھا ھي التي تؤمن بالأخلاقيات ضميرا وعملا في تعاملھا مع الملفات والقضايا، حيث يجب عليھا الاستفادة من الأخطاء التي وقعت فيھا مجموعة من المنابر الصحفية وجلبت لھم العار من الرأي العام وأصبح ينظر إليھم بنظرة دونية وأنھم بلا فائدة، وعليھا أن تؤمن برسالتھا النبيلة التي تتجلى أساسا في الحصول على المعلومة اليقينية وتعرية الحقائق المخفية، وأن تختار مواضيع قضاياھا بعناية وموضوعية ومھنية وأن تكون هذه القضايا من النوع الذي يجلب اھتمام الرأي العام، بدون توظيف للعمل الصحفي النبيل في عمليات التضليل من أجل خلخلة الرأي العام .
وعندما نتطلع لنماذج دولية نجد أن العديد من الدول المتقدمة استطاعت تأسيس إطارات قانونية على شاكلة مقاولات صحفية تختص بمجال التحقيق واستطاعت بذلك مساعدة الدولة وأجهزتها في الوصول إلى الحقيقة في العديد من الملفات الهامة والكبرى ، ويبقى السؤال المطروح متى نرى المغرب يلتحق بركب هؤلاء الدول ويفرج عن جنس صحفي يكاد ينعدم في المشهد الإعلامي المغربي .