السياسة الجنائية في مكافحة الفساد المالي

21 مايو 2024آخر تحديث :
{"editType":"image_edit","source_type":"vicut","pictureId":"8FAA5F0F-A5AD-4B6B-BC69-3F7DAC77A577","tiktok_developers_3p_anchor_params":"{"capability_name":"retouch_edit_tool","source_type":"vicut","picture_template_id":"","client_key":"aw889s25wozf8s7e"}","data":{},"exportType":"image_export"}
السياسة الجنائية في مكافحة الفساد المالي

بقلم: د.  عبد الرحيم موهوب

إن غاية السياسة الجنائية في مجال مكافحة الفساد تهدف إلى حماية مصالح المجتمع من أخطاره، و التصدي لكل أثاره الوخيمة على المستوى الاقتصادي، السياسي و الاجتماعي، وقد كان مطلبا مجتمعيا على راس المطالب الاحتجاجية لحركة 20 فبراير 2011.
فالسياسة التجريمية تصاحبھا سياسة عقابية تضع مبادئ و معايير تحديد العقوبة و تطبيقها و تنفيذها، حيث تعتبر هذه الأخيرة مكملة لسياسة التجريم في إطار مبدأ الشرعية. ومن أھم صور الفساد كما جاء في الاتفاقية في مجال مكافحة الفساد رشوة الموظفين العموميين او العاملين في القطاع الخاص، و اختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها بشكل أخرمن طرف موظف عمومي او في القطاع الخاص والمتاجرة بالنفوذ و إساءة استغلال الوظائف و الإثراء غير المشروع و غسل العائدات الإجرامية والإخفاء و إعاقة سير العدالة. كما جرمت نفس الاتفاقية المشاركة و الشروع في ارتكاب أي فعل من الأفعال السالفة الذكر، وحرصت الاتفاقية على إلزام الدول الأطراف باعتماد ما يلزم من إجراءات لإرساء مسؤولية الأشخاص المعنوية عن ارتكابها للأفعال المجرمة بمقتضاها، وإخضاعها لما يناسبها من عقوبات جنائية أو غير جنائية رادعة لها.

والمغرب عندما صادق على الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد فرضت عليه ضرورة ملائمة و تطوير منظومته القانونية في هذا الاتجاه، وبالرجوع إلى مجموعة القانون الجنائي نجدها قد جرمت مجموعة من أشكال و صور الفساد جعلتها تتميز باتساع دائرة التجريم و اتساع دائرة أطراف الفساد، رغم بعض النواقص التي تشوب هذه النصوص و التي يتوجب على المشرع التدخل لتجاوزها. فعلى مستوى جريمة الرشوة جرمت في القطاع العام والخاص، إلا أن المشرع علق تجريم رشوة الأجير أو المستخدم في القطاع الخاص على شرط ضرورة عدم موافقة المشغل ودون علمه لقيام المسؤولية الجنائية للأجير، الأمر الذي يفترض علاقة التبعية بين الفاعل و مشغله، وكذا عدم تجريم رشوة الموظفين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية العمومية و اقتصار متابعتهم إما طبقا لمبدأ إقليمية القوانين داخل التراب الوطني أو في حالة ارتكابهم لجريمة الرشوة خارج المغرب إذا اكتسبت الجريمة صفة جناية و كان ضحيتها مغربي.
أما على مستوى جرائم إساءة استغلال الوظائف فالمشرع لم يجرم إلا بعض صور هذا الفعل وذلك من خلال تجريمه الغدر، وتجريمه للحصول على الفوائد غير القانونية، مما يبين أن المشرع المغربي لم يجرم إساءة استغلال الوظائف بشكل مباشر كما في المادة 19 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد. كما لم تجرم بعض الأفعال المرتبطة بجريمة اختلاس الأموال العمومية كتحويل هذه الأموال أو نقلها أو إيداعها بقصد إخفائها أو حيازتها أو التصرف فيها. وعدم تجريم الإثراء غير المشروع و الاقتصار فقط في القوانين المنظمة للتصريح الإجباري بالممتلكات على إحالة الأفعال التي تشكل مخالفات للقوانين الزجرية على السلطة القضائية المختصة، مع التنصيص على عقوبات في حالة عدم تقديم التصريح داخل الآجال القانونية أو الإدلاء بتصريح غير مطابق أو غير كامل.

والمشرع الجنائي المغربي لم يساير مقتضيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد فيما يتعلق بعدم إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن ارتكابه لجرائم الفساد باستثناء جريمة غسل الأموال، ولم يميز بين حدود المسؤولية الجنائية لهذا الشخص و المسؤولية الجنائية لمسيريه و ممثليه القانونين في ارتكاب جرائم الفساد.

 

ويمكن القول أن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية و بنية مؤسساتية في مجال مكافحة الفساد. و أن الملائمة مع مقتضيات الاتفاقية الأممية تتطلب التنصيص جرائم الفساد بقسم خاص معضرورة توسيع دائرة التجريم من خلال تجريم كل أفعال الفساد كما في الاتفاقية الأممية، وإقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنويين و تمييزها عن المسؤولية الجنائية لمسيرها و ممثلها القانونيين، وتقوية الأثر الردعي للعقوبات الخاصة بهذه الجرائم وذلك بتبني نفس العقوبة لجرائم الرشوة و الارتشاء في القطاعين العام و الخاص، مع تشديد عقوبة عسل الأموال، جعل صفة الموظف العمومي و مأمور الإدارة أو الجماعات المحلية ظرف تشديد في المخالفات المتعلقة باستخدام الممتلكات العمومية في الحمالات الانتخابية، وإقرار العقوبات الإضافية في حق مرتكبي جرائم الفساد. بالإضافة إلى ضرورة تطوير قواعد المتابعة و المحاكمة بهدف ضمان عدم الإفلات من المتابعة باعتماد مدد تقادم أطول للدعوى العمومية و العقوبة المقررة لجرائم الفساد،

كما يجب ضرورة تحسين الإطار القانوني للمفتشيات العامة بما يضمن تقييد السلطة التقديرية للوزير، تمتيع المفتشين العامين بإمكانية القيام بمهامهم بشكل مباغت، مع عدم الاحتجاج بالسر المهني في مواجهة هذه الهيئة، والارتقاء بدور المفتشيات إلى مهام التدقيق في المالية العمومية. وجعل أعضاء الحكومة و البرلمانيين خاضعين لاختصاص المجلس الأعلى للحسابات في مجال التأديب الخاص بالميزانية و الشؤون المالية، إعطاء الإمكانية لوكلاء الملك لدى المحاكم المالية لرفع الأفعال التي تستوجب عقوبات جنائية إلى وكلاء الملك مباشرة، وإقرار إصدار الأحكام باسترجاع المبالغ المطابقة للخسائر الناتجة عن أفعال الفساد.
و الختام يجب أن نشير إلى انه حتى وان حققنا الملائمة الفضلى مع الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد فان استقلالية القضاء تبقى آلية محددة ومدخل أساسي في مكافحة الفساد، و هو ما يفرض على المشرع المغربي الترجمة الفعلية و الحقيقية لهذا المبدأ الدستوري في القوانين التنظيمية ذات الصلة بمسألة استقلالية القضاء.

 

اترك رد

الاخبار العاجلة