الدولة الاجتماعية وتحرير الاقتصاد

26 مايو 2024آخر تحديث :
الدولة الاجتماعية وتحرير الاقتصاد
الدولة الاجتماعية وتحرير الاقتصاد

بقلم: #د_عبدالرحيم_موهوب

إن الليبرالية والخوصصة لھما مؤيدين ذوو نفوذ قوي في الدولة، يستطيعون من خلالھ التأثير بقوة على الدولة، فالدولة التي لا تنخرط بشكلكلي يقبلھ الليبراليون تتعرض لتضييق اقتصادي وضغط سياسي باستعمال مجموعة من طرق ووسائل الضغط حتى ترضخ لھذا التوجھ. وقد يساعد في ذلك إعطاء مبررات تبدو مقبولة ومنطقية للدولة، حيث يظھر لھذھ الأخيرة على المستوى النظري أن تحرير اقتصادھا بشكلكلي يوفر عنھا عناء تحمل مسؤولية البطالة والفقر، حيث أن القطاع الخاص لھ القدرة على حل ھاتين المعضلتين، وفق منھج مبني على القوةوالانتاج.

ولعل أزمة كورونا التي تعتبر أخطر أزمة صحية بتداعياتھا الاقتصادية على العالم، تفك شفرة استمرارية القطاع العام وتقوية القطاعالخاص وتحرير الاقتصاد، حيث تبين جليا خلال ھذھ الأزمة أنانية الليبرالية وعدم قدرتھا على لعب الدور الاجتماعي، وھو ما دفع العديد منالمنتقدين لليبرالية إلى اىتأكيد على أنھا أظھرت توحشھا وأنانيتھا، كما أبرزت أزمة كوفيد دور الدولة ومكانتھا ووظيفتھا، حيث أنھااصطفت إلى جانب الشعب وحاربت وقاومت من أجلھ، في وقت أظھرت الليبرالية أنانيتھا وجشعھا في تحقيق الربح ولو في الأزمة،فالمصحات مثلا كانت لا تستقبل من اىمصابين إلا من يتوفر على ثمن العلاج. وبدا جليا أن القطاع الخاص ومن ورائھ التوجھ الليبرالي لايمكن الاعتماد عليھ في حالة وقوع الأزمة، بل يصبح ھو نفسھ جزءا من الأزمة بعد تخليھ عن جزء من المستخدمين أو كلھم، الشيء الذييزيد من آثقال كاھل الدولة.

الليبرالية باعتبارھا فلسفة القطاع الخاص ھمھا الأول والأخير النفعية، أي تحقيق الربح، ولا تلقي بالا للمحيط والمجال الاجتماعي الذي يتمفيھ الانتاج وتحقيق الثروة، وحتى الإيمان بأن المحيط الاجتماعي لھ أھميتھ من أجل الاستمرار في تحقيق الربح غير مطروح لديھم. غير أنھذا لاينفي وجود مؤسسات كبرى في القطاع الخاص تحاول القيامبذلك من خلال مساعدة الدولة في تأمين بعض المرافق أو التدخلاتالاجتماعية، ولا تقارب المسألة بعين المستفيد وبعين المؤمن بأن لا مستقبل للاستثمار والربح وتراكمه وتوسعه، إلا في بيئة اجتماعية آمنة منالفقر والاحتقان والبطالة والجوع.

فالدولة لا بد أن تكون اجتماعية، ولو في الحدود الدنيا. ولا يمكن إفراغ الدولة من هذا الدور لأنَّه ساعتها سيكون التعليم والصحة في خطركبير، وتصبح هي المسؤولة إذا تفشى الجهل والأمراض والأمية، ومن ثمّ فإنَّ مثل هذه الأخطار ليست في صالح أي اقتصاد ولا قطاعخاص. وقد أثبتت مختلف الأزمات أن الدولة هي التي يعول عليها لحماية الشعب. ومن هذا المنطلق، فإن عدم المغامرة بسلب كل وظائفالدولة وإفراغها من دورها الاجتماعي هو القرار الأسلم والعقلاني والمسؤول، من أجل ضمان الحد الأدنى من الرعاية والخدمات للفئات التيتعاني من هشاشة اقتصادية، وما أكثرهم اليوم، بعد أزمة كورونا، واضطرار المؤسسات الخاصة الصغيرة إلى الإغلاق وتسريح العمالوالموظفين.

من ناحية أخرى، لقد رأينا في الدول الليبيرالية كيف باتت السلطة الاقتصادية سلطة سياسية في الوقت نفسه، ومنها تنتج النخب السياسية،وفي أقل الحالات بمالها تصل إلى سدة الحكم. وهو ما يعني أنه سيصبح هناك هيمنة اقتصادية على القرار السياسي، وهذا خطر عميق،حيث سيتم الانتقال إلى تبعية السياسي لرجل الاقتصاد، أي أنَّ المال هو الذي سيسيِّر لعبة الحكم.

فالغاية ليست معارضة القطاع الخاص الذي يمثل طرفا أساسيا في الاقتصاد ومحركاً مهماً للعجلة الاقتصادية، ولكن هذا لا يعني أنننخرط في التحرير الكامل وتسليم الاقتصاد إلى يد القطاع الخاص الذي مهما كان فهو ليس الدولة.  فالضرورة تفرض وجود اقتصاد منفتحومتحرر، ولكن في إطار معين حتى لا يتم إضعاف دور الدولة.

اترك رد

الاخبار العاجلة