في إطار تنفيذ توجيهات الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي ألقاه في 29 يوليوز 2024 حول ضرورة اعتماد تدبير استراتيجي واستباقي لمشكلة الإجهاد المائي في المملكة، بادرت عمالة إقليم الناظور، تحت إشراف السيد العامل جمال الشعراني، إلى عقد سلسلة من الاجتماعات التنسيقية بمقر العمالة، حضرها كافة الفاعلين في قطاع المياه من أجل رسم خارطة طريق للتدبير العقلاني للموارد المائية التي يتوفر عليها الإقليم.
تهدف هذه الاجتماعات إلى اتخاذ تدابير عاجلة ترشيداً لاستخدام المياه، تماشياً مع دوريتي السيد وزير الداخلية عدد 22932 بتاريخ 26 دجنبر 2023، وعدد 916 بتاريخ 18 يناير 2024، واللتين جاءتا في سياق الوضعية الحرجة للمخزون المائي على مستوى البلاد. شملت التدابير اتخاذ خطوات صارمة، منها منع سقي الحدائق العامة والمساحات الخضراء وتنظيف الساحات والأرصفة العمومية بالمياه الصالحة للشرب، إضافة إلى حظر استبدال مياه المسابح العامة والخاصة لأكثر من مرة واحدة سنوياً، ومنع استعمال محلات غسل السيارات بالماء الصالح للشرب، فضلاً عن ترشيد استهلاك المياه في الحمامات العامة. وتم إعداد برامج عملية لسقي المساحات الخضراء وتنظيف الساحات باستخدام المياه المستعملة، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية والمصالح المختصة، مثل محطتي بوعرك وبني انصار.
وفي إطار تعزيز العرض المائي الموجه للفلاحة وضمان استدامة استخدام الموارد المائية، قام المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لملوية بإنجاز مجموعة من المشاريع الطموحة، أبرزها فصل شبكة مياه الشرب عن مياه الري في الضفة اليسرى، حيث تم بناء وتجهيز محطة ضخ بطاقة صبيب تصل إلى 1860 لتر في الثانية، لتزويد ساكنة الناظور والدريوش وزايو بالماء الشروب على طول إجمالي يقدر بـ28 كيلومتراً. هذا المشروع سيوفر ما يزيد عن 25 مليون متر مكعب سنوياً. كما تم الشروع في مشروع سقي مدار ملوية انطلاقاً من مضخة جهة الشرق لتحلية مياه البحر، بالإضافة إلى تقوية شبكة نقاط الماء لإرواء الماشية بإنشاء 11 نقطة مجهزة بمنشآت هندسية ومعدات الطاقة الشمسية، مع برمجة إنجاز 27 نقطة أخرى خلال عامي 2025-2026، مما سيحسن ظروف التزود بالماء لسد حاجيات الماشية وتقليص المسافة الفاصلة بين نقاط الماء لأقل من 10 كيلومترات.
من بين المشاريع الطموحة أيضاً، عصرنة شبكات توزيع المياه وتحويلها إلى الري الموضعي في سهل الكارت، مما سيوفر 15 مليون متر مكعب سنوياً، ومن المقرر أن يدخل هذا المشروع حيز الخدمة في يونيو 2025. كما يتم العمل على تحويل نظم الري التقليدية إلى الري الموضعي على مساحة 35,000 هكتار، لتوفير أكثر من 40 مليون متر مكعب سنوياً، مع توقع إطلاق الشطر الأول من طلبات العروض في 2025. إلى جانب ذلك، يتواصل العمل على تجهيز الضيعات الزراعية بنظام السقي بالتنقيط الموضعي، وإدخال تقنيات الري الذكي لتقليل استهلاك المياه بنسبة 20%.
وفي ظل تراجع حقينة السدود، بادرت وكالة الحوض المائي لملوية إلى حفر 7 أثقاب مائية استكشافية في مناطق بوعرك، أركمان، العروي، وتيزطوطين، مع برمجة حفر 5 أثقاب أخرى لسنة 2025. كما تم إنشاء محطتين لتحلية المياه الجوفية المالحة في بوعرك وأركمان بقدرة إنتاجية تصل إلى 100 لتر في الثانية و15 لتر في الثانية على التوالي، ومن المنتظر إقامة محطات أخرى في مناطق اعزانن وأولاد ستوت في القريب العاجل.
بحلول عام 2027، من المتوقع أن يشهد الإقليم إنشاء محطة لتحلية مياه البحر بطاقة إنتاجية سنوية تصل إلى 250 مليون متر مكعب، منها 140 مليون متر مكعب لتلبية الحاجيات المتزايدة من المياه الصالحة للشرب، بينما سيتم تخصيص 110 مليون متر مكعب لري المناطق الزراعية. هذا المشروع الضخم سيساهم في إنقاذ الفلاحة المحلية ودعم التنمية الاقتصادية في المنطقة.
كما تتواصل أعمال تعلية سد محمد الخامس، التي بلغت نسبة إنجازها 46%، مما سيزيد من سعة السد التخزينية إلى 113 مليون متر مكعب. وفي هذا السياق، تم توقيع اتفاقيات شراكة مع أربع جماعات قروية (أفسو، حاسي بركان، البركانيين، وأولاد داوود الزخانين) من أجل تزويد الدواوير التي تعاني من نقص في المياه الصالحة للشرب.
مع تحسن حقينة الحوض المائي لملوية بفضل التساقطات المطرية الأخيرة، دعت السلطات المحلية إلى ضرورة الحفاظ على هذه الثروة المائية وتدبيرها بشكل عقلاني لضمان استمرار توفر المياه للأجيال القادمة، والقدرة على مواجهة تحديات الإجهاد المائي. من خلال هذه الإجراءات، يسعى إقليم الناظور إلى أن يكون نموذجاً يحتذى به في إدارة الموارد المائية بالمغرب، بما يضمن تلبية الاحتياجات المتزايدة لمياه الشرب والزراعة، ودعم التنمية المستدامة في المنطقة.
بقلم: عواطف حموشي