بقلم : محمد القاسمي
في خضمِّ زحام الأحداث وتلاطم أمواج الأزمات، انتشرت الصور الأخيرة للملك محمد السادس كالعاصفة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، كانت الصور تجسد أكثر من مجرد وجه؛ كانت تعبيرًا عميقًا عن روح قائد يتحمل عبء سنوات من التحديات، حيث تتجلى على ملامحه علامات التعب والقلق العميق، بدا وكأن الزمن قد توقف، وبدت العيون التي تتأمل الصورة وكأنها تخاطب الوطن، تسأل: “أين نحن من تلك الأماني التي نرفعها إلى السماء؟”
كانت تلك الصورة، بلا شك، صرخة مدوية في وجه الإهمال والخلل الذي يتغلغل في شرايين المجتمع، هل يكفي الدعاء؟ هل يكفي التضرع إلى الله من أجل صحة قائد يتصدى لتحديات جسيمة، بينما تئن البلاد تحت وطأة أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية متفاقمة؟ إننا بحاجة إلى أكثر من دعاء؛ نحن بحاجة إلى حكومة قوية، إلى مسؤولين يتحملون مسؤولياتهم بحزم ونزاهة، لا أن يتواروا خلف المكاتب ويغضوا الطرف عن الفساد والفوضى التي تعم البلاد، إلى بِطانةٍ صالحةٍ كما عهدتُ أبي وهو يدعوا له فوق منبر رسول الله كل يوم جمعة …
إن أمنياتنا للملك بالصحة والعافية لا تعني أن نغض الطرف عن واقع الحال، فكل دعاء نرفعه في خلواتنا يجب أن يقترن بفعل ملموس على الأرض، في شوارع المدينة، تتجلى مظاهر الإحباط، حيث تتشابك الأحلام مع واقع مرير، أمهات يحملن هموم أسرهن على أكتافهن المثقلة، وأبناء يتطلعون إلى غدٍ أفضل، ولكنهم يقابلون واقعًا قاسيًا يفترس آمالهم، إنهم يشاهدون كيف يُنهب المال العام، وكيف تصبح المسؤولية مجرد كلمات تتردد دون فعل، وكأنهم يعيشون في كابوس لا ينتهي.
وعندما نتحدث عن فساد القضاء، نجد أنفسنا أمام حقيقة مروعة، كيف يمكن أن نحلم بمستقبل أفضل، بينما القضاء الذي يجب أن يكون ركيزة العدالة والنزاهة يعاني من الفساد والانحراف؟ إن فساد القضاء يهدد حقوق المواطنين ويجعل العدالة حلمًا بعيد المنال، كسراب يحاكي الماء في الصحراء، يجب أن تكون لدينا الشجاعة لندين هذا الواقع، ونطالب بإصلاحات جذرية تتجاوز الكلمات وتتحول إلى أفعال …
دعونا نتحدث بصوت عالٍ عن أولئك الذين يسيطرون على مقدرات الوطن، أولئك الذين يدوسون على حقوق الشعب بينما يتظاهرون بالاهتمام، إنهم يجوبون شوارع العاصمة، يحملون أقنعة مزيّفة تخفي طموحاتهم الأنانية، متناسين أن عواقب أفعالهم تعود بالضرر على المواطنين والوطن، هؤلاء الذين يتلاعبون بمقدرات الشعب، هم ليسوا أكثر من عبء ثقيل يجب أن نتخلص منه.
دعونا جميعاً ندعوا معاً من أجل ملكنا، ولكن لنجعل من دعائنا حافزاً للعمل الجاد، يجب أن نتحمل مسؤولياتنا كمواطنين، ونلتزم بمراقبة أداء الحكومة، ونسعى لتغيير الواقع نحو الأفضل، إن الدُّعاء من أجل الملك ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي دعوة ملحة للتغيير والتقدم، إن دعواتنا يجب أن تكون نداءً لإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة، لنتحد جميعاً في مسعى نبيل نحو مستقبل مشرق.
إن صورة الملك، التي تذكرنا بأن القائد يحتاج إلى دعمنا جميعاً، تدعونا إلى التفكير في كيفية تقديم هذا الدعم، الدعم الحقيقي يكمن في اتخاذ خطوات ملموسة نحو تعزيز الحكامة، والشفافية، والمحاسبة، فلندعُ معاً أن يكون الملك محاطاً بفريق حكومي يعكس تطلعات الشعب ويحمل هموم الوطن، ولنطالب بمحاسبة كل مسؤول يتهاون في واجباته أو يشارك في الفساد، حتى نحقق جميعاً رؤية مستقبل أفضل لمغربنا الحبيب .