بناءً على معلومات دقيقة ووثائق ومستندات وفرتها لنا الوكالة الوطنية للأبحاث والتحقيقات، تم التوصل إلى ملف خطير يكشف عن أكبر عملية نصب شهدتها مدينة الناظور، ضحيتها عائلة الشريك المؤسس لسلسلة مطاعم مارتشيكا، والتي أصبحت رمزاً للفساد واستغلال النفوذ.
البداية كانت تبدو واعدة، شراكة قائمة على الثقة والرغبة في النجاح المشترك، لكن سرعان ما تبين أن وراء هذه الشراكة تلاعبات مافيوزية، وانقلابات دنيئة طالت حقوق الشركاء.
أحد الشركاء الذي بدأ مشواره كبائع بطاقات اتصال تحول في ظرف وجيز إلى صاحب أكبر مجموعة مطاعم في الناظور، راكم خلالها ثروة طائلة بطرق يصفها المتابعون بالملتوية.
ما يثير الريبة ليس فقط سرعة تراكم الثروة ولكن الأساليب التي استخدمها لإقصاء شركائه من الشركة، حيث تعرض البعض لضغوط مباشرة لبيع حصصهم، بينما تم إبعاد آخرين عبر تلفيق لهم تهماً مفبركة لمتابعتهم قضائياً، مستفيداً من علاقات نافذة داخل جهاز القضاء بالناظور، بما ساعده في تنفيذ مخططاته الاستبدادية بشكل خفي وهادئ.
في تصريحات مثيرة، خرجت شقيقة الشريك الراحل، السيدة أسماء، لتكشف عن اختلالات خطيرة شابت ملف شقيقها، مطالبة بتدخل جلالة الملك لرفع الظلم الذي تعرضت له العائلة، خاصة وأنها مقيمة بالخارج وتمثل شريحة واسعة من الجالية المغربية المقيمة في المهجر، التي عانت وتتعرض للتلاعب بمصالحها وحقوقها داخل الوطن، السيدة أسماء لم تتردد في وصف ما حدث بالجريمة الأخلاقية والقانونية، مؤكدة أن ما جرى هو انقلاب مكتمل الأركان على شريك مؤسس كان يمتلك الحصة الأكبر في المطعم قبل أن يُسلب منه كل شيء بطرق أقل ما يقال عنها إنها مافيوزية.
الفجيعة الكبرى تكمن في تواطؤ بعض الجهات القضائية بالناظور، التي أظهرت تجاهلاً مريباً وقرارات قضائية سريعة وغير منصفة، تصب دائماً في مصلحة الشخص الغلط. هذا التواطؤ لم يكن مجرد صدفة بل كان جزءاً من مخطط أوسع لجعل القانون أداة لتثبيت القوة في يد شخص بعينه، فيما ضاعت حقوق آخرين بسبب فساد شفاف في آليات العدالة، أصابع الاتهام التي وجهتها السيدة أسماء لا يمكن تجاهلها بل تتطلب فتح تحقيق عميق من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية للكشف عن مدى صحة هذه الادعاءات.
وفي خطابات ملكية سابقة، أكد جلالة الملك محمد السادس في عدة مناسبات على ضرورة تحقيق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، مشيراً إلى أنه لا مكان للفساد في المملكة المغربية، وأن القضاء يجب أن يكون حراً ومستقلاً، بعيداً عن أي تدخلات قد تضر بحقوق المواطنين. “إن العدالة هي أساس استقرار أي دولة، ولا يمكن القبول بأي شكل من أشكال العبث بالقانون، سواء كان ذلك من خلال التلاعب بالملفات أو التواطؤ مع الفاسدين”، هكذا قال جلالته في إحدى خطاباته بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، محذراً من كل من يسعى إلى استغلال منصبه لأغراض شخصية.
هذه القصة تمثل صفعة لكل مغربي حر يؤمن بالعدالة والمساواة، تساؤلات ملحة تُطرح حول إمكانية سلب الحق من مواطنين أبرياء بسبب جشع شخص وعلاقاته المشبوهة، إلى متى ستظل أصوات المظلومين مغيبة في وطن يُفترض أن يحمي الجميع؟ وهل سيجد هذا الملف النور من جديد أم أنه سيُدفن كما دُفنت حقوق عائلة الشريك الراحل؟ تتزايد التساؤلات عن مصير هذا الملف، في ظل محاولات التغطية على الحقيقة.
بصفتها ممثلة للمغاربة المقيمين بالخارج، طالبت السيدة أسماء جلالة الملك محمد السادس بالتدخل لإنصافها وحماية حقوق عائلتها. جلالة الملك لطالما كان نصيراً للمظلومين ورمزاً للعدل والإنصاف، وكان لا يتردد في الوقوف إلى جانب مغاربة العالم في مختلف القضايا، كما هو ظاهر في خطابه الأخير. واحتكاماً إلى روحه الوطنية الصادقة في الانتصار للحقوق، ليس فقط داخل حدود الوطن ولكن أيضاً في الخارج، فإن إعادة فتح هذا الملف هو اختبار حقيقي للدولة في تصديها للفساد وحماية مصالح أبنائها، سواء داخل الوطن أو خارجه.
قضية مطاعم مارتشيكا ليست مجرد قصة نصب واحتيال، إنها رمز لصراع بين الحق والباطل، بين العدل والفساد، حيث يتبين أن من يدير الأمور في الظل ليس إلا من يملك القوة والنفوذ ليعبث بمقدرات الناس. والسلطات القضائية مدعوة اليوم لإثبات للشعب المغربي أن لا أحد فوق القانون، وأن القضاء يظل حصناً منيعاً في وجه كل من تُسول له نفسه العبث بحقوق المواطنين.
أبناء الناظور وأبناء الوطن بأكمله يطالبون اليوم بكشف المستور ومعاقبة كل من تورط في هذه الجريمة النكراء. العدالة ليست مجرد شعار بل هي واجب أخلاقي لا يقبل المساومة. وفي هذا الإطار، تأتي جهود الوكالة الوطنية للأبحاث والتحقيقات التي كشفت هذا الملف وتوصلت بكافة تفاصيله الدقيقة، وستفضحها قريباً في تحقيق شامل يكشف النقاب عن كل المتورطين في هذه الجريمة الفظيعة بمعطيات موثوقة ووثائق ملموسة، محققة بذلك كشف المستور وفتح المجال أمام العدالة لتأخذ مجراها. سنعود للملف في مقبل الأيام.