أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، يظل واحدًا من الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في الساحة السورية. منذ أن تولى قيادة جبهة النصرة، المرتبطة بتنظيم القاعدة، ومن ثم تحوّلها إلى هيئة تحرير الشام، أصبح الجولاني رمزًا لصراع القوى الإقليمية والدولية في سوريا. ومع مرور الوقت، تكشّف عن تحولات مثيرة في استراتيجياته، ما يطرح سؤالًا كبيرًا: هل الجولاني هو بالفعل قائد مستقل يسعى لتحقيق أهدافه الخاصة، أم أنه مجرد أداة في يد القوى الكبرى التي تسعى لتحقيق مصالحها في المنطقة؟
منذ بداية النزاع السوري، لعب الجولاني دورًا محوريًا في قلب الصراع الدموي، مستفيدًا من قدرته على التكيف مع المتغيرات السياسية والعسكرية. وكان تحوّل جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام في عام 2016 خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز قدراته العسكرية والسياسية، لتلبية احتياجات الصراع المعقد في سوريا. لكن هذا التحول يطرح تساؤلات حول دوافعه: هل هو مدفوع بأجندة جهادية أم أنه يخدم مصالح قوى إقليمية ودولية؟
وفي تعليقه على هذا التحول، قال أحد المحللين العسكريين في المنطقة: “الجولاني لا يعدو أن يكون جزءًا من اللعبة الكبرى في المنطقة، في سياق الصراع بين القوى الإقليمية والدولية. تحركاته على الأرض تشير إلى أنه يعمل وفق أجندات أكبر من تنظيمه، ويعرف تمامًا كيف يتكيف مع الظروف الإقليمية لضمان استمرار نفوذه”. وأضاف أنه “من الواضح أن التحولات السياسية التي شهدتها هيئة تحرير الشام، من التشدد إلى الانفتاح النسبي، قد تكون جزءًا من توازنات استراتيجية تخدم مصالح الجولاني في المنطقة”.
أما الصحفي السوري فؤاد أبو يوسف فقد اعتبر أن “الجولاني شخصية مرنة، تساير المصالح الخارجية. في البداية، كان يشدد على المواقف الجهادية الصارمة، لكن مع مرور الوقت، نراه يتبع سياسات تقترب أكثر من مصالح تركيا وبعض الدول الغربية”. وأضاف أن “الجولاني قد يكون تخلى عن جزء من أجندته الجهادية لصالح تحقيق تحالفات سياسية جديدة تضمن له استمرارية في المنطقة”.
من ناحية أخرى، تحدث خبراء سياسيون عن مرونة الجولاني في تكييف مواقفه السياسية بما يتماشى مع التحولات الاستراتيجية الدولية. فقد أظهرت هيئة تحرير الشام في عهد الجولاني مرونة غير متوقعة في سياق المصالح الدولية، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان الجولاني يسعى وراء مكاسب سياسية وجغرافية أو إذا كان مجرد أداة في يد القوى الكبرى التي تستغل هذه التحولات لتحقيق مصالحها الخاصة.
وفيما يخص العلاقة بين الجولاني وإسرائيل، يلاحظ البعض أن هناك مفارقة واضحة. رغم أن الجولاني يتبنى خطابًا معاديًا لإسرائيل، إلا أن بعض المراقبين يلمسون إشارات تدل على تغييرات في المواقف، قد تكون نتيجة لأجندات دولية تخدم مصالح إسرائيل في بعض الأحيان.
في النهاية، يبقى الجولاني جزءًا من لعبة سياسية أكبر تسيطر عليها القوى الكبرى في المنطقة. ما إذا كان يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية أو أنه مجرد أداة في يد تلك القوى يبقى مسألة معقدة تتطلب فحصًا دقيقًا للتحولات السياسية والعسكرية التي مر بها مؤخرًا. لكن ما لا شك فيه أن الجولاني سيظل لاعبًا رئيسيًا في تحديد مستقبل سوريا في الوقت الذي تتشابك فيه مصالح الأطراف المختلفة.