في سياق النزاع الإقليمي الذي طال أمده حول الصحراء المغربية، يبرز مشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كإطار سياسي واقعي ومرن، يضع حداً للتوترات الإقليمية، ويفتح آفاقاً جديدة للتنمية والاستقرار في المنطقة. منذ الإعلان عنه سنة 2007، حظي هذا المشروع بدعم واسع من المجتمع الدولي باعتباره مقترحاً جدياً وذا مصداقية، قادراً على إنهاء نزاع استنزف الطاقات وأعاق التنمية في المنطقة المغاربية.
يعتمد مشروع الحكم الذاتي على منح سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة صلاحيات واسعة لإدارة شؤونهم المحلية، ضمن إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية. يشمل ذلك إقامة هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية محلية، تُشرف على مجالات متعددة، منها الاقتصاد، التعليم، والثقافة. يهدف هذا النموذج إلى تمكين سكان المنطقة من تقرير أولوياتهم التنموية في إطار يضمن الاستقرار، ويحفظ الحقوق، ويصون هوية المنطقة.
المشروع يُعتبر حلاً وسطاً يأخذ بعين الاعتبار تطلعات سكان الصحراء، ويحترم في الوقت نفسه مبدأ السيادة الوطنية، مما يجعله نموذجاً فريداً لتسوية النزاعات الإقليمية المعقدة. كما يوفر ضمانات دولية من خلال إشراف الأمم المتحدة على تنفيذ المبادرة، مما يُعزز ثقة الأطراف المعنية في هذا الخيار.
منذ تقديمه، لقي مشروع الحكم الذاتي إشادات متكررة من قوى دولية كبرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، التي اعتبرته إطاراً جدياً وعادلاً لحل النزاع. إضافة إلى ذلك، انخرطت دول أفريقية وعربية في دعم المبادرة، معتبرة أن هذا المقترح يعكس جدية المغرب في الالتزام بحل سلمي ومستدام للنزاع.
في مقابل ذلك، تعيش جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر عزلة متزايدة بسبب استمرار التمسك بخيار الاستفتاء غير الواقعي، في ظل التحولات الجيوسياسية التي جعلت العديد من الأطراف تُدرك أن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد القابل للتطبيق.
لم يقتصر المغرب على تقديم المبادرة، بل ترجمها إلى سياسات تنموية ملموسة في الأقاليم الجنوبية. المشاريع الكبرى، مثل ميناء الداخلة الأطلسي، والطرق السريعة التي تربط المدن الجنوبية بباقي المملكة، إلى جانب برامج الطاقة المتجددة والتعليم والتأهيل، تؤكد التزام المغرب بتحويل المنطقة إلى قطب اقتصادي وجسر للتعاون بين أفريقيا وأوروبا.
هذه الدينامية التنموية تعكس رؤية المغرب للنزاع، ليس فقط كخلاف سياسي، بل كفرصة لتحويل الأقاليم الجنوبية إلى نموذج للاندماج والازدهار.
إلى جانب التنمية الاقتصادية، ركزت المبادرة المغربية على البعد الإنساني والثقافي للنزاع، إذ يُعتبر هذا الجانب محورياً في تعزيز التعايش والتفاهم بين مختلف المكونات الاجتماعية، وهو ما يجعل من مشروع الحكم الذاتي أداة شاملة لمعالجة القضايا السياسية والتنموية والإنسانية المرتبطة بالصحراء المغربية.