هــاجــر القــاســـمـي تكتب : الديمقراطية بين الأمس واليوم… أين ذهب الزمن النضالي؟

18 فبراير 2025آخر تحديث :
هــاجــر القــاســـمـي تكتب : الديمقراطية بين الأمس واليوم… أين ذهب الزمن النضالي؟

 

لم يكن النضال يومًا مجرد شعار بل كان فعلًا يوميًا متجذرًا في الأرض، في الشوارع في قلوب المناضلين الذين حلموا بوطن أكثر عدالة وإنصافًا في زمن لم يكن فيه مجرد حمل جريدة كـ”الاتحاد الاشتراكي” أمرًا عاديًا بل كان إعلانًا عن موقف و تحديًا لسلطة تخشى الكلمة الحرة كانت الديمقراطية حلمًا يُنتزع بالنضال لا يُوهب في صناديق خاوية من المعنى.

 

واليوم ونحن نقف على أطلال تلك المرحلة نتساءل : هل هذا ما كنا نحلم به؟ حكومة وُلدت من رحم انتخابات بلا لون ولا طعم تجر وراءها أزمة اقتصادية خانقة وغلاء ينهش القدرة الشرائية للمواطن وظلام يخيم على الأفق السياسي حيث غابت الرؤية وضاعت بوصلة الإصلاح ولم يعد الخطاب السياسي سوى صدى باهت لوعود لم تُخلق لتتحقق.

 

عندما نتحدث عن المعارضة الحقيقية يستحضر التاريخ أسماء شكلت فارقًا في المشهد السياسي المغربي مثل عبد الرحمن اليوسفي، الذي حمل مشروعًا إصلاحيًا حقيقيًا خلال تجربة التناوب التوافقي وكان نموذجًا للسياسي الذي يضع مصلحة الوطن فوق الحسابات الضيقة لكنه رغم ذلك وجد نفسه أمام واقع مرير حيث تم الالتفاف على مشروعه فاختار الصمت والابتعاد عن المشهد في موقف لم يكن هروبًا بل إدانة ضمنية لما آلت إليه الأمور.

 

وفي الضفة الأخرى نجد شخصيات مثل حميد شباط الذي كان رغم الجدل المثار حوله نموذجًا للمعارضة الصدامية حيث قاد نقابة قوية وواجه قرارات لا شعبية بشراسة دون حسابات سلطوية أو مصالح ذاتية لكنه رغم مواقفه الجريئة وجد نفسه في النهاية خارج الحزب الذي كان يقوده ليكشف ذلك عن أزمة داخلية في حزب الاستقلال الذي ظل لعقود مدرسة في السياسة والنضال.

 

حزب الاستقلال الذي كان يومًا العمود الفقري للحركة الوطنية وأحد ركائز المعارضة تحول بدوره إلى رقم في معادلة سياسية تفتقر إلى الروح النضالية فبعد أن كان يقود المعارك الكبرى ضد الفساد والاستبداد أصبح اليوم مجرد حزب يشارك في الحكومات المتعاقبة دون تأثير يُذكر مكتفيًا بالمناورة السياسية بدل الصدام من أجل التغييرر رحل شباط وجاء نزار بركة لكن الحزب لم يعد هو الحزب ولم تعد مواقفه تزعج أحدًا وكأن معاركه الكبرى انتهت عند حدود السلطة.

 

أما الاتحاد الاشتراكي الحزب الذي كان ذات يوم رمزًا للنضال السياسي والاجتماعي فقد أضاع بوصلته بدوره وبدل أن يكون صوت الجماهير أصبح مجرد رقم في معادلات السلطة، إدريس لشكر الذي ورث قيادة الحزب لم يلقَ من إرث الاتحاد الاشتراكي سوى الاسم بينما ضاعت الروح النضالية التي ميزته لعقود الحزب الذي كان منبرًا للأحرار أصبح مجرد صدى خافت لما يقرره الآخرون فاقدًا لجوهر المعارضة التي صنعت مجده.

 

 

ثم هناك الحركة الشعبية التي تأسست في الأصل للدفاع عن القضايا الأمازيغية والمناطق المهمشة لكنها تحولت مع مرور الزمن إلى حزب يلعب أدوارًا هامشية في المشهد السياسي فبعد أن كان الحزب صوتًا للفئات التي شعرت بالتهميش أصبح مشاركًا دائمًا في الحكومات دون تأثير حقيقي مكتفيًا بالمناورة السياسية دون أن يكون له موقف واضح أو رؤية إصلاحية جريئة، الحركة التي كانت ترفع شعارات الدفاع عن الهوية والتعددية لم تعد اليوم سوى ظلاً باهتًا لما كانت عليه تائهة بين البحث عن موقع في السلطة والخوف من أن تصبح خارج اللعبة السياسية.

 

أما التجمع الوطني للأحرار الحزب الذي ظل لعقود مجرد آلة انتخابية يُستنجد بها عند الحاجة فقد أصبح اليوم يقود الحكومة لكنه لم يقدم النموذج المنتظر منه فرغم الوعود والشعارات التي رفعها قبل الانتخابات إلا أن الواقع كشف أن السياسة ليست مجرد شعارات تسويقية بل التزام حقيقي تجاه المواطنين: غلاء الأسعار، الأزمة الاجتماعية، وانعدام الحوار مع الشارع، كلها عوامل جعلت الحزب يفقد الكثير من بريقه في وقت قياسي ليصبح مجرد امتداد لمن سبقوه في تدبير الشأن العام دون رؤية واضحة.

 

وفي الجهة المقابلة هناك حزب العدالة والتنمية الذي دخل إلى المشهد السياسي بوعود الإصلاح ومحاربة الفساد لكنه خرج منه بتجربة مُحبطة بعدما فقد الكثير من شعبيته بسبب قرارات لا شعبية أبرزها الإصلاحات التي مست القدرة الشرائية للمواطنين فالحزب الذي كان يتحدث باسم الشعب وجد نفسه في النهاية غير قادر حتى على الدفاع عن نفسه ليتحول إلى معارضة باهتة بعد هزيمته الانتخابية القاسية.

 

 

لكن رغم هذا الواقع الباهت يبقى السؤال الأهم: هل انتهى زمن النضال؟ أم أن هذا الصمت ليس إلا هدوء ما قبل العاصفة؟ إن التاريخ علمنا أن الشعوب قد تصبر لكنها لا تنسى وأن الحقوق قد تُؤجل لكنها لا تُلغى وأن النضال الحقيقي لا يموت بل يبعث من جديد حين تشتد الحاجة إليه.

اترك رد

الاخبار العاجلة