محمد اعبوت
أثارت زيارة الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، إلى مدينة الحسيمة، جدلًا واسعًا بين مناضلي الحزب والمتابعين للشأن السياسي بالمنطقة، فبينما كان الهدف المعلن للزيارة هو لقاء الفاعلين السياسيين والمنتخبين ومناقشة قضايا التنمية، إلا أن طريقة تنظيم اللقاء وما رافقه من قرارات، خاصة فيما يتعلق بإقصاء عدد من المناضلين، جعلت البعض يعتبره “شهادة وفاة” للحزب في الإقليم، وعلامة واضحة على تفاقم الأزمة الداخلية.
إقصاء الأصوات المعارضة يعمّق الانقسام داخل الحزب
عوض أن يكون اللقاء فرصة لجمع صفوف الحزب وتجاوز الخلافات الداخلية، جاء بطريقة اعتبرها العديد من المتابعين تكريسًا لسياسة الإقصاء والانتقائية، فقد قاطع أربعة رؤساء جماعات من أصل ثمانية هذا اللقاء، فيما غاب أزيد من 90% من مستشاري الحزب بالإقليم، وهو ما يعكس بوضوح مدى الاحتقان الداخلي.
العديد من الاستقلاليين عبّروا عن استيائهم من النهج الذي اعتمدته القيادة في هذه الزيارة، حيث رأوا فيها استمرارًا لسياسة “صم الآذان” وفرض قرارات فوقية دون إشراك القواعد والمناضلين الفاعلين، أحد أبناء الحزب الذين تم إقصاؤهم علّق على ذلك قائلًا:
“حزب الاستقلال بهذه الطريقة التي تنهجها قيادته في إقليم الحسيمة سيخسر الكثير. لا يعقل أن يتحول إلى ملكية خاصة لعائلة واحدة، فيما يتم تهميش وإقصاء المناضلين الحقيقيين. الحزب ليس إرثًا عائليًا يتقاسمه البعض فيما بينهم، بل هو ملك لجميع مناضليه. إذا استمر هذا النهج، فإن الحزب سيفقد قواعده، وعندها لن يكون للقيادة شيء تتحكم فيه.”
كما انتقد العديد من أعضاء الحزب غياب الديمقراطية الداخلية ورفض القيادة الاستماع إلى القواعد، خاصة بعد تجاهل رسالة وجهها أكثر من 30 عضوًا ومنتخبًا بالحزب قبل شهرين، يطالبون فيها بلقاء مع الأمين العام لمناقشة أوضاع الحزب في الحسيمة. هذا الرفض اعتُبر دلالة واضحة على غياب الرغبة الحقيقية في حل المشاكل الداخلية، مما زاد من الشعور بالغضب والتهميش بين المناضلين.
وفي المقابل، أكد أشخاص من داخل الحزب أن إقصاء بعض المنتمين للحزب من هذا اللقاء، رغم أنهم يتحملون مسؤوليات في المجالس المنتخبة، لم يكن قرارًا اعتباطيًا، بل كان بمثابة عقوبة أو طرد غير معلن، وحسب ذات المصادر، فإن هؤلاء الأعضاء خانوا الحزب في انتخابات 2021 بعد رفضهم الامتثال لقرارات القيادة، حيث دعموا لوائح منافسة أو اتخذوا مواقف معارضة للتوجهات الرسمية للحزب، مما جعلهم في نظر القيادة “غير منضبطين”. هذا القرار يكشف أن الإقصاء لم يكن مجرد سوء تنظيم، بل كان رسالة واضحة بأن الحزب لا ينوي التسامح مع من اعتبرهم معارضين لخطه السياسي.
دعم مضيان رغم متابعته قضائيًا يطرح تساؤلات حول توجهات الحزب
واحدة من أكثر النقاط المثيرة للجدل خلال هذه الزيارة، كانت استمرار دعم نزار بركة للبرلماني نور الدين مضيان، الذي يواجه متاعب قضائية وأخلاقية بعد تسريب تسجيلات صوتية له تضمنت إساءات لفظية في حق برلمانية من الحزب، وعلى الرغم من أن القضية تسببت في ضجة كبرى داخل الحزب، إلا أن القيادة لم تتخذ أي إجراءات حازمة، باستثناء إبعاده مؤقتًا عن رئاسة الفريق الاستقلالي في البرلمان، دون اتخاذ قرارات تأديبية واضحة بحقه.
الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل إن بركة قرر تناول وجبة الغذاء مع مضيان خلال زيارته للحسيمة، في خطوة اعتبرها العديد من مناضلي الحزب استفزازًا صريحًا للقواعد، خاصة أن مضيان لم يستجب لعدة استدعاءات أمنية بخصوص القضية.
عدد من الاستقلاليين رأوا في هذه الخطوة مؤشرًا خطيرًا على أن الحزب بات يفتقد إلى الوضوح في مواقفه بشأن تخليق الحياة السياسية، وهو ما يتناقض مع التوجيهات الملكية التي شددت على ضرورة محاربة الفساد وتعزيز النزاهة في العمل الحزبي، فكيف يمكن لحزب الاستقلال أن يرفع شعار النزاهة، بينما يستمر في دعم شخصية متورطة في قضية أخلاقية تمس بسمعة الحزب؟
مشاريع الطرق: وعود جديدة أم إعادة تدوير لمشاريع سابقة؟
من أبرز النقاط التي تم التطرق إليها خلال اللقاء، إعلان نزار بركة عن برنامج واسع لإصلاح وتهيئة الطرق بإقليم الحسيمة، حيث كشف عن مجموعة من المشاريع التي من المفترض أن تنفذ خلال 2025 و2026. وشملت هذه المشاريع تطوير عدة طرق رئيسية، مثل تثنية الطريق الساحلية الرابطة بين الحسيمة والناظور، وإصلاح الطريق الوطنية رقم 509 الرابطة بين تاونات وإساكن، وغيرها من الطرق المهمة التي تربط مناطق الإقليم ببعضها البعض.
غير أن العديد من المتابعين أكدوا أن معظم هذه المشاريع ليست جديدة، بل كانت مبرمجة منذ سنوات، حتى قبل أن يتولى نزار بركة وزارة التجهيز والماء، لكنها لم تنفذ بسبب بطء الإجراءات الإدارية وغياب المتابعة الحقيقية من الوزارة.
في هذا السياق، تساءل أحد الصحفيين المحليين:
“العديد من هذه المشاريع تم الإعلان عنها في السابق، لكنها ظلت مجرد حبر على ورق. هل هناك ضمانات حقيقية بأن هذه المشاريع سترى النور قريبًا، أم أننا أمام إعادة تدوير للوعود القديمة؟”
كما أن تأخر تنفيذ هذه المشاريع أثّر بشكل مباشر على تنمية الإقليم، حيث لا تزال العديد من المناطق تعاني من ضعف البنية التحتية، مما يعيق الاستثمار ويؤثر على جودة حياة الساكنة.
الشرخ الداخلي يهدد مستقبل الحزب في الإقليم
من خلال هذه الزيارة، بدا واضحًا أن حزب الاستقلال يواجه أزمة حقيقية في إقليم الحسيمة، حيث أصبح الانقسام الداخلي أكثر حدة من أي وقت مضى. فبينما تحاول القيادة إعطاء الانطباع بأن الأمور تحت السيطرة، فإن الواقع يؤكد أن الحزب فقد الكثير من قوته بسبب سياسات الإقصاء والانفراد بالقرارات، وهو ما جعل العديد من المناضلين يفكرون في الابتعاد عنه، أو حتى البحث عن بدائل سياسية أخرى تعبر عن تطلعاتهم بشكل أفضل.
المتابعون يرون أن استمرار هذه الأزمة دون إيجاد حلول حقيقية لها، سيؤدي إلى تراجع الحزب بشكل أكبر في الإقليم، وربما فقدانه للمكانة التي كان يتمتع بها سابقًا. فالأحزاب لا تبقى قوية إلا عندما تكون قريبة من قواعدها، وعندما تعطي الأولوية للحوار الداخلي بدل فرض القرارات من الأعلى.
هل يتجه الحزب نحو إعادة ترتيب أوراقه أم نحو مزيد من الانقسام؟
بعد هذه الزيارة المثيرة للجدل، يبقى السؤال الأهم: هل ستتحرك القيادة لإعادة ترتيب البيت الداخلي لحزب الاستقلال في الحسيمة، والاستماع إلى مطالب المناضلين، أم أن سياسة الإقصاء والتجاهل ستستمر، مما قد يدفع بالمزيد من الأعضاء إلى الابتعاد عن الحزب؟
في ظل هذه التحديات، يبدو أن مستقبل الحزب في الإقليم أصبح على المحك، وسيكون على القيادة اتخاذ قرارات حاسمة إن كانت تريد استعادة ثقة مناضليها، أو المخاطرة بفقدان نفوذها في المنطقة لصالح أحزاب أخرى أكثر قدرة على الاستماع لمطالب القواعد والتفاعل معها بجدية.