تشهد قاعة محكمة الاستئناف بالدار البيضاء واحدة من أكثر المحاكمات الجنائية تعقيدًا في تاريخ المغرب، حيث يتواصل فصول التحقيق في قضية “إسكوبار الصحراء”، التي هزّت الرأي العام وكشفت عن شبكة معقدة من التحويلات المالية المشبوهة، وتورط شخصيات بارزة في عمليات تبييض الأموال وتهريب المخدرات.
نجوم السياسة والرياضة في قلب العاصفة
تضم لائحة المتهمين 28 شخصًا، من بينهم شخصيات بارزة، مثل سعيد الناصري، الرئيس السابق لنادي الوداد الرياضي، وعبد النبي بعيوي، الرئيس السابق لجهة الشرق، إلى جانب الملياردير فؤاد اليزيدي، الذي وجد نفسه وسط زوبعة قضائية بعد اتهامه بالتورط في تزوير محررات رسمية ضمن معاملات عقارية مشبوهة.
اليزيدي في موقف دفاعي: بيع الشقق أم غسل الأموال؟
خلال جلسة أول أمس، كان فؤاد اليزيدي تحت المجهر، حيث دافع عن نفسه بشراسة، نافيًا أي علاقة له بتهريب المخدرات أو تبييض الأموال. إلا أن الأدلة الأمنية والمكالمات المسجلة أظهرت أنه لعب دور الوسيط في بيع شقتين بالسعيدية، حيث تم تحويل 650 ألف درهم إلى سعيد الناصري، في صفقة أثارت تساؤلات عديدة حول مصادر هذه الأموال وأهدافها الحقيقية.
تسجيلات هاتفية تُسقط أسماء ثقيلة
لم يكن اليزيدي وحده في مواجهة أسئلة المحكمة، فقد استمعت أيضًا إلى المتهم “ع.ط”، وهو منعش عقاري، وواجهته بتسجيلات هاتفية تكشف عن اتصالاته مع مسؤولين في الشرطة حول عمليات نقل أموال وتحويلات مشبوهة. حاول في البداية الإنكار، لكنه تراجع وأقرّ بوجود “تعاملات تجارية” مع بعض الأسماء الواردة في التحقيق، دون الخوض في التفاصيل.
“ولد الريفية” واعترافات “المالي” تربكان التحقيق
من بين اللحظات الأكثر إثارة، كانت شهادة المتهم “إ.ل”، الملقب بـ”ولد الريفية”، الذي نفى أي علاقة له بتهريب المخدرات، رغم اعترافات الحاج ابن إبراهيم، المعروف إعلاميًا بـ”المالي”، الذي أكد أن “ولد الريفية” كان عنصرًا نشطًا في عمليات التهريب عبر مناطق الراشيدية والريش ورأس الخنفرة. وزادت شكوك المحكمة بعد اكتشاف تحويلات مالية ضخمة باسمه، تجاوزت 43 مليون درهم في سنة واحدة فقط.
بعيوي.. الرجل القوي في مهب العاصفة
أما عبد النبي بعيوي، فقد ورد اسمه في عدة شهادات، أبرزها اعترافات “المالي”، الذي أكد أن بعيوي كان أحد المستفيدين الرئيسيين من عمليات تهريب المخدرات، حيث نُقلت شحنات ضخمة تقدر بـ200 طن عبر الحدود الجزائرية لصالحه، باستخدام سيارات رباعية الدفع، في عمليات وصفت بـ”المحكمة الإجرامية المتقنة”.
تحويلات دولية مثيرة للجدل
لم تتوقف التحقيقات عند حدود المغرب، فقد كشفت المحكمة عن تحويل مالي ضخم بقيمة 500 مليون سنتيم إلى حساب زوجة “المالي” الأوكرانية، في معاملة أدرجتها السلطات ضمن “محاولات تبييض الأموال”. شهادات مصرفيين دعمت هذه الفرضية، حيث أكدوا أن العملية تمت دون أي تدقيق يوضح مصدر الأموال.
جلسات ساخنة وتأجيل الحسم
رغم محاولات المتهمين الدفاع عن أنفسهم والتمسك بسيناريو “المعاملات التجارية”، إلا أن الوثائق الأمنية والتسجيلات الصوتية رسمت صورة مغايرة، ما جعل هيئة المحكمة تقرر تأجيل الجلسة إلى الجمعة المقبلة، في انتظار استكمال الاستماع إلى باقي المتهمين، وسط ترقب واسع لما قد تكشفه الأيام القادمة عن هذه القضية التي وضعت نخبة من رجال المال والسلطة في قفص الاتهام، وأثارت تساؤلات عميقة حول شبكات النفوذ والتهريب في المغرب.
تحرير:سلمى القندوسي