بقلم: ذ عماد شحتان
إن أهل فاس كاتمون لغيظهم من وطأ ألم شديد ألمَّ بهم، تأجج بركانا جعل المدينة تصرخ وظلامها مخيم فوق الأزاهر، الجرح الذي تركه العمدة بها غائر، فقد جعل أهلها يكابرون رغم وعكة الالم، لأن العمدة عصف بهم حتى جفت بهم الشكوى الحناجر.
كيف لا ؛ وهو المؤتمن على سياسة وتنمية المدينة في شموليتها، فإذا بهم يستفيقون على حقيقة صادمة مؤداها أن السيد العمدة تورط في أم الأفعال الآثمة، وهي أنه لم يعمل على التبليغ عن أفعال جنائية علم بوقوعها.
اليوم تعيش العاصمة العلمية فاس على وقع هذه الفضيحة السياسية المدوية التي كشفها للعلن سلطان القضاء بهيبته وقوته ووقاره، الذي أعلنها مدوية بين جدران مساكن فاس وأهلها أن من به يصلح البلد، قد فسد، وأكد تورط عمدة المدينة، عبد السلام البقالي، في جريمة عدم التبليغ عن جريمة يعلم بحدوثها، ضمن ملف الشبكة الإجرامية التي كان يتزعمها البرلماني البامي البصيري. هذا الملف، الذي كشف عن حجم الفساد والتواطؤ في دوائر المسؤولية، دخل مراحله النهائية بعدما تم تقرير القضية في محكمة النقض وإعطاؤها رقمًا قضائيًا، حيث سيتم تعيين جلسة قريبة للبث فيها.
المتتبع للملف الذي تورط فيه السيد العمدة من الناحية القانونية، سيقف إجلالا لتعليلات القضاة، ويفتخر بقضاء فاس منبع الصدق ومهبط الحكمة، حيث أن هيئة القضاة بفاس في هذا الملف كان قرارهم الاستئنافي مؤسس على أسس واقعية وقانونية.
فبالرجوع إلى تعليلات القرار نجد أن إبراز الادلة والقرائن من خلال وسائل الاثبات المضمنة بأوراق الدعوى تبرز قوة وحرفية وتكوين القضاة الأجلاء. فالتسبيب جاء مستساغا عقلا ومنطقا والحجج تعضد بعضها بعضا، وكأن القارئ لهذا التعليل تتكشف أمامه الاية الكريمة وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا. فالوقائع التي اعتمدها القضاة صادقة فنزل عليها سيف العدل يحكمه الذي ارتضوه السادة القضاة.
ورغم أن محكمة النقض لم تبُتّ بعد في الملف، إلا أن مصادر “المساء” تؤكد أن طلب النقض الذي تقدم به العمدة سيتم رفضه، لأن محكمة النقض باعتبارها محكمة قانون فهي تراقب التطبيق السليم للقانون، والقرار الاستئنافي الذي أدانه بالسجن النافذ جاء بتعليل واقعي وقانوني سليم ومقيول عقلا ومنطقا ومؤسسا على وسائل إثبات مقنعة بجزم ويقين من طرف هيئة قضائية نزيهة لا يمكن العبث بقراراتها.
وما يزيد من عزلة البقالي في هذه المعركة القانونية هو أن جميع الشخصيات النافذة التي راهن عليها للتوسط له والوقوف إلى جانبه في هذه المحنة رفضت دعمه، بل كان ردهم عليه واضحًا: “اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون”. فحتى أولئك الذين كانوا يستفيدون من خدماته السياسية أدركوا أن قضيته خاسرة قانونيًا وأخلاقيًا، وأنه لا أحد سيجازف بسمعته للدفاع عن مسؤول مدان جنائيًا.
بقاء البقالي على رأس مجلس جماعة فاس لم يعد مجرد مسألة سياسية، بل أصبح تحديًا قانونيًا وأخلاقيًا. فالقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، وخاصة المادتين 70 و71، ينصان على أن كل رئيس جماعة ثبت تورطه في أفعال تمس النزاهة أو تشكل إخلالًا جسيمًا بالمسؤولية يمكن عزله وفقًا للإجراءات القانونية الجاري بها العمل.
كما أن الفصل 299 من القانون الجنائي المغربي يعاقب بالسجن كل من علم بوقوع جريمة ولم يبلغ عنها، خصوصًا إذا كان من ممثلي السلطة أو المسؤولين العموميين، وهو ما يجعل البقالي في وضع قانوني لا يسمح له بالبقاء لحظة إضافية على رأس العاصمة العلمية للمملكة.
الأمر لا يقتصر فقط على القانون الداخلي، بل هناك التزامات دولية تحتم اتخاذ موقف صارم ضد العمدة المدان. فالمغرب، باعتباره موقعًا على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد منذ 2007، ملزم بسنّ إجراءات واضحة ضد المسؤولين المدانين جنائيًا، بما يضمن نزاهة المؤسسات العمومية.
محكمة النقض على وشك الحسم، والبقالي يسير نحو مصير لا مفر منه: السجن النافذ. الوالي معاذ الجامعي، المعروف بحزمه في تطبيق القانون، أمام مسؤولية تفعيل الإجراءات القانونية اللازمة، بما يضمن احترام دولة القانون والمؤسسات.
مدينة فاس تستحق قيادة نزيهة، لا مسؤولًا أدانته العدالة. فإذا كان السجن هو المصير “المحتوم” للسيد العمدة، فإن العزل الفوري هو الحل القانوني الذي لا يقبل أي تأخير. فالأصل في العزل أنه يستند على وجود عناصر اشتباه فقط، والحال أن ما يجسده الواقع هو قرار استئنافي يدين العمدة ويؤكد أنه أخل بالمروءة والشرف ووقع في الخطأ الجسيم الموجب للعزل.
فالسيد العمدة الذي يدعي في كل مجلس ووقت وحين أنه جلس فوق كرسي العمادة بناء على موافقة أهل فاس عبر انتخابات، وأنهم صوتوا عليه بإرادة حرة واعية منهم، وأنه بهذا المنصب أصبح رأس فاس الذي فيه السمع والبصر، لكن بخطيئته هذه لم يعد رأس فاس وإنما أضحى الذنب. فإن الله خلق آدم عليه السلام ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته ولما عصى وطغى أخرجه الله من الجنة وهي أعظم حرمة من فاس وآدم أكرم عند الله من العمدة البقالي، لكل هذا الا يستحق هذا العمدة الطرد.