أحمد العنابي.. مهندس التزوير الذي يهدد الأمن الاقتصادي والقضائي للمغرب

منذ 4 ساعاتآخر تحديث :
أحمد العنابي.. مهندس التزوير الذي يهدد الأمن الاقتصادي والقضائي للمغرب

 

في بلد تسوده القوانين وتُصان فيه الحقوق، يُفترض أن تكون الوثائق الرسمية حصنًا منيعًا ضد التلاعب والاحتيال، غير أن أحمد العنابي، بجرأته على القانون، حوّل التزوير إلى نشاط مربح، مستخدمًا نفوذه وعلاقاته المشبوهة لاختراق الإدارات والمؤسسات، والتلاعب بمستندات رسمية تمس ممتلكات وأموال الأبرياء، في جرائم تهدد الأمن الاقتصادي، وتقوض ثقة المواطنين في القضاء، وتشوه سمعة المغرب دوليًا.

 

المعطيات التي حصلت عليها الوكالة الوطنية للأبحاث والتحقيقات تكشف أن العنابي ليس مجرد مزوّر عابر، بل هو مهندس فساد بامتياز، محترف في صناعة الوثائق المزورة، بدءًا من العقود الإدارية، وصولًا إلى التراخيص والمحاضر القضائية، مرورًا بالوثائق العقارية التي يستخدمها للاستيلاء على الممتلكات بطرق ملتوية، في ظل شبكة من المتواطئين الذين يسهلون له الطريق نحو نهب الحقوق دون حسيب أو رقيب.

 

ما يجعل جرائم العنابي أكثر خطورة هو أنها لا تقتصر على مجرد تزوير أوراق، بل تتعدى ذلك إلى خلق بيئة فساد متكاملة، حيث يصبح القانون في خدمة التلاعب، والإدارة مرتعًا للاحتيال، فيتم نهب العقارات بأختام مزورة، وتتحول المحاكم إلى ساحات عبث بوثائق غير صحيحة، مما يفتح الباب لمزيد من الفوضى القانونية، ويفقد المواطنين ثقتهم في المؤسسات.

 

تزوير المحررات الرسمية لا يؤثر فقط على الأفراد الذين يجدون أنفسهم ضحايا لمؤامرات العنابي، بل يضرب في العمق الاستقرار الاقتصادي للمغرب، فعندما تتحول العقارات إلى غنيمة يمكن السطو عليها بوثائق مزورة، وعندما يفقد المستثمرون الثقة في سلامة الإجراءات القانونية، فإن ذلك ينعكس سلبًا على بيئة الأعمال، ويجعل المغرب أقل جاذبية للاستثمارات، في وقت تسعى فيه الدولة إلى استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية لتعزيز النمو الاقتصادي.

 

تزوير الوثائق الرسمية لا يشكل فقط خطرًا على الاقتصاد، بل يهدد نزاهة القضاء نفسه، فحين تُقدم للمحاكم مستندات مزيفة، وحين تصدر الأحكام بناءً على بيانات مختلقة، يتحول العدل إلى وهم، ويتحول المجرمون إلى “رجال أعمال”، ويتحول الضحايا إلى متهمين، هذه الممارسات تجعل القضاء في امتحان حقيقي، فإما أن ينتصر للقانون ويضع حدًا لهذه الفوضى، أو أن يصبح أداة تخدم المزورين ومن يقفون خلفهم.

 

المغرب لم يكن يومًا متسامحًا مع جرائم التزوير، فالقانون الجنائي واضح في معاقبة كل من تسوّل له نفسه التلاعب بالمحررات الرسمية، حيث تنص المادة 356 من القانون الجنائي المغربي على أن: “كل من زوّر أو تلاعب في محررات رسمية أو استعمل وثائق مزورة، يعاقب بالسجن من 10 إلى 20 سنة، بالإضافة إلى الغرامات المالية.” كما يؤكد الفصل السادس من الدستور أن “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع ملزم باحترامه”، لكن المشكلة ليست في القوانين، بل في مدى تطبيقها بحزم ضد أمثال العنابي.

 

وعلى المستوى الدولي، تنص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على ضرورة محاربة كافة أشكال التزوير والتلاعب بالمحررات الرسمية، لما تشكله من خطر على الأمن القانوني والاقتصادي للدول، وهو ما يضع المغرب أمام مسؤولية التصدي لهذه الظواهر، لضمان احترام التزاماته الدولية.

 

الملك محمد السادس لطالما شدد في خطبه على ضرورة مكافحة الفساد والتزوير، ففي خطابه بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش، قال جلالته: “إننا نحرص على جعل المؤسسات في خدمة المواطن، وتعزيز ثقة المغاربة فيها، وهذا يتطلب ترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية، ومحاربة الفساد بكل أشكاله، بما في ذلك التزوير والتلاعب بالقوانين.”

 

فإذا كانت الإرادة الملكية واضحة، والقوانين صارمة، فلماذا لا يزال العنابي ومن على شاكلته يعيثون في الأرض فسادًا؟ ولماذا يجد هؤلاء المزوّرون طريقهم إلى الإدارات بسهولة، بينما يعاني المواطن البسيط للحصول على حقه في وثيقة قانونية سليمة؟

 

أحمد العنابي ليس مجرد شخص متورط في التزوير، بل هو نموذج لشبكة فساد متكاملة تهدد الأمن الاقتصادي والقضائي للمغرب، والمطلوب اليوم ليس مجرد إدانة كلامية، بل تحرك جدي من الجهات المختصة، لمحاسبته ووضع حد لهذه الممارسات التي تشوه سمعة البلاد، فكل يوم يتأخر فيه القضاء عن التدخل، هو يوم يُمنح فيه الفاسدون فرصة جديدة للعبث بحقوق المواطنين ومقدرات الدولة.

 

المعركة ضد التزوير ليست معركة هامشية، بل هي حرب وجودية بين دولة القانون وعصابات الفساد، والمغاربة ينتظرون أن يروا العدالة تأخذ مجراها، حتى لا يتحول بلدهم إلى مرتع للمزورين الذين يهددون مستقبل الوطن، وإننا في مصادر “المساء” نتوفر على وثائق رسمية تثبت تورط العنابي في عمليات تزوير خطيرة تستوجب تدخلا عاجلا من السلطات المختصة لوقف هذا النزيف الذي يضرب في عمق المؤسسات، كما نسجل عددا من الارتسامات لدى الرأي العام والمتابعين لأطوار هذا الملف والذين يعبرون باستغراب كبير عن اندهاشهم من تردد المسؤولين بالنيابة العامة عن اتخاذ قرار توقيف العنابي وهو القرار الذي سيشعر الضحايا بالارتياح أن هناك عدالة تدافع على حقوقهم وهناك ترقب كبير لاتخاذ هذا القرار في هذا الشهر الفاضل المعظم ، فكما تختفي شياطين الجن هل ستختفي شياطين الانس خلال الأيام القليلة المقبلة من شهر رمضان المبارك؟!

 

لنا عودة بالتفاصيل ..

اترك رد

الاخبار العاجلة