تحقيق خاص – الوكالة الوطنية للأبحاث والتحقيقات
في بلد تُرفع فيه الشعارات البراقة حول تحسين قطاع الصحة، تتسلل لوبيات المصحات الخاصة لتفرض قوانينها الخاصة، متحكمة في صحة المغاربة كما يحلو لها. على رأس هذه اللوبيات، تقف مجموعة أكديطال، التي لم تعد مجرد شبكة مصحات، بل تحولت إلى إمبراطورية مالية جشعة، لا ترى في المريض سوى فرصة جديدة لمضاعفة أرباحها، ولو على حساب حياته.
المصحات التي يُفترض أن تكون ملاذًا للمرضى، تحولت في أكديطال إلى ما يشبه أسواقًا تجارية، حيث لا يتم استقبالك إلا بعد دفع عربون قد يتجاوز عشرات الآلاف من الدراهم، وإن كنت تحتضر! أما من لا يملك المال، فمصيره معروف: لا سرير، لا علاج، ولا حتى نظرة تعاطف من إدارتها المتعجرفة.
التسعيرات في هذه المجموعة لا تخضع لأي منطق سوى منطق الربح الأقصى. أسعار مبالغ فيها، فواتير مشحونة بتكاليف غير مبررة، وخدمات لا ترقى حتى لمستوى ما يتم تقديمه في مستشفيات عمومية تعاني من التهميش. أما التجهيزات المتطورة التي يتم الترويج لها في الإعلانات، فهي مجرد غطاء لتبرير الأسعار الخيالية، في حين أن جودة الخدمات تبقى دون المستوى، إلا لمن يدفع أكثر.
ما يثير الاستفزاز أكثر، هو أن أكديطال استفادت من تحفيزات وتسهيلات ضخمة من الدولة، تحت ذريعة تشجيع الاستثمار في القطاع الصحي، لكنها استغلت ذلك فقط لمراكمة الثروات، دون تقديم أي مقابل للمجتمع. فلا هي خفضت أسعار خدماتها، ولا هي ساهمت في تخفيف معاناة المرضى، بل على العكس، زادت في تعميق الهوة بين من يستطيع الدفع ومن لا يستطيع.
الفضائح التي تلاحق هذه المجموعة لم تعد خافية على أحد، من فرض تسعيرات غير قانونية، إلى طرد المرضى غير القادرين على الدفع، وصولًا إلى استغلال الحالات المستعجلة لابتزاز العائلات، كل ذلك وسط صمت مريب من الجهات الوصية التي يبدو أنها اختارت لعب دور المتفرج بدل التدخل لحماية المواطنين من جشع الرأسمالية المتوحشة.
في ظل هذا الوضع، يحق لنا أن نتساءل: إلى متى ستظل صحة المغاربة رهينة في يد مصحات تضع المال فوق كل اعتبار؟ وأين هي الجهات الرقابية من كل هذه التجاوزات التي تحوّل العلاج من حق إلى امتياز محصور في الأغنياء؟ أسئلة مشروعة، لكن الأجوبة ستظل معلقة ما دامت لوبيات المصحات، وعلى رأسها أكديطال، تتحكم في مصائر المرضى كما لو كانوا مجرد زبائن في سوق بلا رقيب!