شهدت العاصمة الرباط حدثًا بارزًا في المشهد الروحي والعلمي، تمثل في إعادة افتتاح الزاوية الفتحية البنانية بعد سنوات من الترميم والتوسعة واستعادة جزء من أوقافها، وذلك على يد الشيخ لطف الله بن عبد الرحمن بناني، سليل أسرة علمية عريقة وحفيد شيخ الإسلام سيدي فتح الله بناني، ويشكل هذا الافتتاح خطوة بارزة في مسار إحياء تراث التصوف المغربي الأصيل الذي طالما كان رافدًا أساسيًا للهوية الروحية للمملكة
الزاوية الفتحية أو البنانية تمتد جذورها إلى الطريقة الشاذلية الدرقاوية، وهي امتداد روحي وفكري لشيخها العارف بالله، العلامة سيدي فتح الله بن أبي بكر بناني، الذي أسسها على منهاج التصوف السني المعتدل، جامعًا بين التربية الروحية والعلم الشرعي، ومن المميزات الفريدة لهذه الزاوية أن من بين أورادها الصلاة الأنموذجية الكتانية التي تلقاها مؤسسها عن الإمام الشهيد أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني، وهو ما يعكس البعد التكاملي بين الطرق الصوفية الكبرى بالمغرب
وفي هذا السياق، أكد الشيخ لطف الله بناني أن إعادة إحياء الزاوية لا يقتصر على إحياء الطقوس الروحية فحسب، بل يشمل إعادة دورها كمركز علمي وثقافي، حيث تم إلحاق معهد للتعليم الشرعي ومركز للدراسات بالزاوية، مما يجعلها فضاءً أكاديميًا وروحيًا يسهم في نشر العلوم الشرعية وترسيخ القيم الروحية الأصيلة
يُعدّ الشيخ سيدي فتح الله بناني أحد كبار علماء المغرب وأوليائه، تخرج على يد أعلام عصره، منهم والده الشيخ أبو بكر بناني وتلميذه الشيخ الخلطي الرباطي، قبل أن يشد الرحال إلى المشرق حيث نشر تعاليمه في مصر والشام وتركيا، وقد لقي الشيخ احترامًا كبيرًا من الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني الذي أخذ عنه طريقته، كما جاور في مكة المكرمة وأصبح أحد أئمة وخطباء الحرم المكي الشريف، ليعود بعد ذلك إلى المغرب حيث كان له تلاميذ من مختلف الشرائح، وعلى رأسهم أمير المؤمنين المولى يوسف بن الحسن الأول
وقد ظلت الطريقة البنانية تحظى بمكانة مرموقة في المغرب لعقود طويلة، قبل أن تتراجع في العقود الأخيرة إلى أن تصدى الشيخ لطف الله بناني لإحيائها مجددًا، وهو جهد استثنائي يُحسب له في الحفاظ على الموروث الروحي للمملكة
لطالما حظيت الزوايا في المغرب بمكانة خاصة باعتبارها حصونًا للعلم والتربية، وهو ما أكده أمير المؤمنين الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة، حيث جاء في إحدى خطاباته الملكية “إن الزوايا والتصوف المغربي يشكلان حصنًا منيعًا لحماية هوية الأمة وتعزيز روح التسامح والانفتاح”
وتجسد الزاوية الفتحية البنانية هذا الدور من خلال الحفاظ على التعاليم الصوفية المعتدلة ونشر قيم السلم والمحبة، والمساهمة في تحصين المجتمع من الفكر المتطرف، وهو ما يتماشى مع الرؤية الملكية في تعزيز الأمن الروحي للمغاربة
مع إعادة افتتاح الزاوية الفتحية في الرباط، تعود هذه المؤسسة العريقة إلى واجهة المشهد الروحي والعلمي، ليس فقط كزاوية صوفية، بل كمجمع علمي وأكاديمي يزهو به المغرب، ويؤكد عمق تقاليده الروحية المتجذرة، فبجهود الشيخ لطف الله بناني، تتجدد أنوار هذا الصرح، ليظل منارة للهداية والتربية والإشعاع العلمي في قلب العاصمة الإدارية للمملكة