في خضمّ التحولات السياسية التي تعرفها الساحة المغربية، تبرز فاطمة الزهراء المنصوري، منسقة حزب الأصالة والمعاصرة، كلاعبة بارعة في السياسة تبحث عن تأمين موقعها في المستقبل السياسي. لكن هذه المرة، أسلوبها يبدو مختلفًا بشكل لافت. فقد قررت المنصوري أن تتخلى عن دعمها لحكومة أخنوش وتبدأ في هجوم سياسي من داخل التحالف، في خطوة تثير العديد من التساؤلات حول نواياها الحقيقية. هل هي تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية أم أن هدفها تدمير التحالف الحكومي من الداخل؟
على الرغم من كونها عضوًا في حكومة الائتلاف الحالية، إلا أن فاطمة الزهراء المنصوري أظهرت تحولات تكتيكية جريئة، لعل أبرزها الانتقاد اللاذع للحكومة والاصطفاف ضد قراراتها. بدأ حزب الأصالة والمعاصرة في شن هجوم سياسي شرس على القرارات الحكومية، خاصة تلك المتعلقة بالزيادات المتتالية في الأسعار، التي أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين. في الوقت الذي يحاول فيه الحزب الترويج لنفسه كممثل لصوت الشعب، يدرك القادة السياسيون أن هذه الانتقادات المتزايدة ليست سوى جزء من استراتيجية تركز على استمالة الناخبين وتوجيه السهام السياسية نحو الحكومة، التي تنتمي إليها المنصوري نفسها.
ومع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تعكس هذه الانتقادات فعلاً خلافات جوهرية بين حزب “الأصالة والمعاصرة” وحكومة أخنوش؟ أم أن ما نراه هو مناورة سياسية لا تعدو أن تكون خطوة تكتيكية للضغط على الحكومة بهدف تحقيق مكاسب انتخابية في المستقبل؟ في الحقيقة، المنصوري قد لا تكون الوحيدة التي تلعب هذا الدور، فالأحزاب السياسية في المغرب عادة ما تسعى إلى استغلال الأزمات وتوظيفها لصالحها، وفي هذه الحالة، يبدو أن حزب الأصالة والمعاصرة يحاول استثمار أزمة الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، للظهور بمظهر المدافع عن مصالح المواطنين.
لكن ما لا يمكن تجاهله هو الحجم الكبير للمناورات السياسية التي تقوم بها المنصوري، والتي تعكس رغبتها العميقة في أن تلعب دورًا أكثر نفوذًا في الفترة المقبلة. مع استعداد المغرب لاستضافة مونديال 2030، هناك سباق محموم بين الأحزاب السياسية على التموقع الاستراتيجي، وكل حزب يسعى لتأمين موقعه في الحكومة القادمة، بما في ذلك المنصوري التي يبدو أنها تعد نفسها لموقع أكثر قوة.
وفي إطار هذه المناورات، يخرج حزب الأصالة والمعاصرة ببيانات تؤكد على ضرورة تشديد الرقابة على المفسدين، كما يطالب بمكافحة المضاربات الاقتصادية التي تؤدي إلى زيادة الأسعار. لكن، من المعروف أن مثل هذه التصريحات غالبًا ما تكون مجرد استعراض سياسي، فلا يمكن الجزم بأن الحزب قد اتخذ أي خطوات حقيقية للتصدي لهذه المشاكل في الواقع.
لا شك أن المنصوري تلعب على أكثر من وتيرة واحدة في هذه المرحلة. من جهة، تنتقد الحكومة وتضع نفسها في موقع المعارضة، ومن جهة أخرى، تبقى في قلب التحالف، مما يجعل من الصعب تحديد موقفها السياسي الحقيقي. هذا الازدواج في المواقف قد يكون جزءًا من خطة أكبر تسعى من خلالها إلى تحقيق المزيد من المكاسب عندما تحين اللحظة المناسبة.
الواقع يفرض على المنصوري أن تدير خيوط اللعبة بحذر. في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد، وبالتوازي مع اقتراب الانتخابات، فإن المناورات السياسية التي تقودها قد تكون ذات طابع طويل الأمد، حيث تبحث عن موقع أقوى ضمن المعادلة السياسية المغربية.