باسم الله الرحمان الرحيم
رومانسيات من دفاتره
الحلقة الخامسة عشرة
” وكن من أرجوان”
غدا الحي للفتى كعشاش هزارات في أيك زمن الإزهار ، وأنس إلى أتراب عاقروا هذا الحي البض الفتي حد العربدة البراء ، التي لا تخلو من غبش شقاوة حشيم وصفيق لماما .
وارتاد مع الصبية كتاب الحي ، ليتحلقوا حول الفقيه ” سي بوزيد ” رحمه الله ، الذي طغت مهابته بلحيته البيضاء ، وشزر ناظره على المكان ، يؤججها قصا حصير لاذع ، وخيرزان لاسع .
كان مرور الفتى بالكتاب كغيمة وقت الهجير ، إذ ما لبث أن التحق بمدرسة خاصة بالحي تسمى ” أبو القاسم الشابي ” ، وهناك برع وفرع أخدانه والأتراب ، فغدت له حظوة وأثرة بينهم ، واستهنأ لمتهم ، وجمل له كنفهم ، فلازمهم منذ الإصباح والسدف إلى الغسق والشفق ، وإلى ما بعد ذلك لما يضنيهم ويعنتهم التسلي واللعب ، فيركنون إلى أسمار تهيم بهم في جحيم أساطير المردة والجان ، ترعد لها أفئدتهم الصغيرة حتى ترض لها الجوانح ، فمردوا التف والمج على صدورهم حتى تبتل ، ظنا أن ذاك يقيهم ضير ولوثة هاته الكائنات ، ويلازمهم هذا الارتياع والهيعة حتى لما يهجعون ويهجدون إلى بيوتهم ، يتوجسون أركانه الداجية الظليمة خوفا من ملاقاة الجن ، وحتى لما يأوون إلى فرشهم يطبقون الأغطية على أجسامهم الصغيرة مخافة أن تلامس أطرافهم هذه المخلوقات الخارقة ، غير آبهين بالعرق يغشى النواصي ، مع أنفاس تطمرها الشراشف والأغطية .
كانت هذه الفترة للفتى كوكن عنادل من وبر وقطيف ، يؤثثه أخدان انحدروا من كل صقع ، حاضرة كانت أم فلاة وبادية ،
وكان لهذا التنوع شأوه في نحت ملكات الفتى بيراع من أرجوان .
والبيوت حينها كانت تنسب للأمهات أو لأصول الساكنة ، ويذكر الفتى منها : ” دار مي هنية ” ” دار مي شريفة ” ” دار مي الفايزة ” ” دار مي ربيعة ” ” دار الفاسية ” ” دار با السعيدي” ” دار مزاب ” ” دار الشلوح ” ” دار مي ايزة” ” دار الرويمي ” … وبيت الفتى شاع ب ” دار مي حليمة “.
هذا التنوع والفسيفساء في الانتماء لم يكن لينأى بالجيرة عن الإيناس والمخادنة ، وكأنما تجمعهم آصرة رحم وواشجة عترة وقربى .
من هذه البيوت اليوم من تنوح على قرميدها الحمائم ، أو تغزل شراشفها العناكب ، أو تعزف الريح في كواها سمفونية الطلل التالد..
يتبع
عزيز فتحاوي