في ظل ما تداولته بعض الألسن، وانساقت خلفه بعض العيون المقرِئة دون تمعن، وجب التوضيح والتصحيح درءًا للظلم، ودرعًا للحقيقة من أن تُغتال في ممرات التأويل وسوء الفهم. فقد فُهِم خطأً من مقال جريدة المساء، أن المرأة التي وُصِفَت بالغموض والتأثير على منير القادري بودشيش، هي السيدة مليكة النبيري، وهذا لمن يعرفها خلط مجحف، وتجنٍّ على سيدة لا يجتمع في سيرتها إلا الصفاء، والنقاء، وخدمة الطريق والمريدين بصدق العارفين.
إن السيدة مليكة النبيري، ليست تلك التي تحدث عنها التقرير الصحفي، لا وصفًا ولا مقامًا ولا مسارًا، فهي بنت الزاوية وتلميذة الشيخ ومُلهمة في تواضعها وثابتة في إخلاصها ونقية في خدمتها، ومن يعرفها يعرف أنها عُرفت في حلقات الذكر بصمت المتعبدين لا بلغط المتسلّقين وأنها كانت في فلك الخدمة تدور كما يدور القمر حول بيت النور تنير ولا تحترق، وتُسعف ولا تشتكي وتُحبّ ولا تطلب وتُعطي ولا تنتظر.
فالزاوية القادرية البودشيشية التي قال عنها الشيخ حمزة رحمه الله أنها طريق محبة وسلام وصدق في المعاملة ووفاء بالعهد، كانت ولا تزال فضاء لتربية القلوب، لا ميدانًا لتصارع الطموحات، والسيدة مليكة كانت إحدى الطيفات في هذا الفضاء، ولم تتاجر باسم الطريق، ولم تسعى لسلطة روحية أو مادية، بل كانت في خلواتها أقرب إلى مقام الخمول في الظهور، كما أوصى بذلك أهل الله.
وقد قال الشيخ سيدي البوزيدي وهو من السلسلة الذهبية للطريقة أن من أراد الله به خيرًا ستره بستره، وأعطاه مقام الخدمة لا الزعامة، فهي مَن اختارت أن تكون في الصفوف الخلفية، وتعمل دون صخب أو ادّعاء، ولا يمكن أن تُختزل في روايات مشبوهة، وملفات تثير الشبهات.
فالمرأة التي تحدّث عنها التقرير، والتي لا تمتّ بصلة إلى السيدة مليكة لا من قريب ولا من بعيد، وإنه من الظلم الصارخ أن تُقحم الأسماء النقية في وحل الشبهات، فقط لأن الصدفة الزمنية جمعت بين تشابه في السن أو أو المعرفة الظرفية.
وقد قال الشيخ العارف بالله سيدي عبد القادر الجيلاني أنه إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، فانظروا في حاله مع الشريعة، فإن وافقها فاقبلوه، وإن خالفها فانبذوه، ومن عرف مليكة النبيري، يعلم أن سيرتها نقية من التناقض، وسلوكها متين في الانسجام مع الشريعة والسنة، ونيتها بيضاء لا تشوبها أطماع.
ومن العدل بل ومن الإنصاف الصوفي، أن لا نضع الطيب والخبيث في ميزان واحد، فكما أن الطرق تُبتلى بالمتسلقين، فإنها تظل محفوظة بالمخلصين. ومليكة النبيري من هؤلاء، من أولئك الذين قال عنهم الشيخ حمزة ذات يوم: أنهم هم جنود لا يعرفهم إلا الله، يثبتون الطريق من تحت، لا يتكلمون، لكن بهم يستقيم الميزان.
فالرجاء من الجميع، من الصحافة إلى المتابعين، أن يتبينوا في التأويل، وأن لا يُسرفوا في التحليل، وأن لا يَلبِسوا الحق بالباطل وهم يعلمون، فالمقام مقام أمانة، والكلمة ميزان، والسيدة مليكة النبيري لم تكن يوماً من زمرة العابثين، بل كانت من زمرة القائمين بالقسط.
ومن آداب الصوفية قولهم أن من أساء بك الظنّ ولم يعرفك، فاستغفر له، ولا تجادله، فإنك تُضيّع وقتك وتُفسد قلبك، لكننا هنا، لا نجادل، بل نوضح دفاعا عن العدل ورفعا للبس وصونا لسمعة امرأة لم تعرف غير طريق المحبة والتجرد والخدمة.
والله أعلم بالمقاصد والنيات، وهو الحفيظ العليم.