بقلم: ذ عماد شحتان
في زاوية ما من خريطة المغرب، وتحديدًا في بلدية العروي يبدو أن التنمية قد اختارت المنفى الطوعي، واكتفت البلدية بتوديعها بإنارة خافتة من مصابيح LED جديدة، وكأنها تقول اذهبي يا تنمية فقد أنرنا لك الطريق، فالمواطن هناك لا يطلب الكثير فقط بعض الحياة في حي ميت وبعض الطرقات التي لا تغرقها الحفر وبعض المرافق التي لا تصرخ بالخراب، لكن يبدو أن طموح المجلس البلدي لا يتجاوز عدسات الكاميرات وعدد اللايكات على الفيسبوك.
فما إن يفتح دكان لبيع البيصارة أو يُشيد موقف دراجات عشوائي، حتى يتدافع الرئيس وأعضاء البلدية كما لو كانوا في مهرجان كان السينمائي، يلتقطون الصور من كل الزوايا بأطقم رسمية وابتسامات مطلية، ليعلنوا للعالم أن الإنجاز قد تم والعروي في طريقها لتنافس طوكيو.
وأما المشاريع الحقيقية التي تمس حياة المواطن فهي ببساطة من الأمور التي تتطلب جهدا وتخطيطا وتمويلا ورؤية، وهي أمور لا يبدو أن السيد الرئيس يعترف بها فقد تفتقت عبقريته مؤخرا عن قرار حضاري يقضي بمنع المواطنين من دخول مقر البلدية إذا ارتدوا الشورط، نعم في عز الحر في بلد يتبجح بالحريات الفردية، ويأتي رئيس بلدية ويضع نفسه حارسا على الأخلاق وناطقا باسم الحياء العام، وكأنه استنسخ نفسه من روايات الرقابة القروسطية.
وهكذا تحولت البلدية إلى محكمة تفتيش صغيرة، بدل أن تكون فضاء لخدمة المواطن، فمن دخل بشورط يُوبخ ومن ارتدى تيشورت ينهر ومن تجرأ على ارتداء حذاء صيفي قد يمنع من قضاء غرضه الإداري لأن الرئيس رأى في لباسه تهديدا لهوية الأمة وربما للمنظومة الكونية برمتها.
إنها بلدية تشتغل على واجهة الإنارة والتقاط الصور وتفتيش ملابس الناس، لكنها لا تشتغل على البنية التحتية ولا النظافة ولا المرافق ولا التشغيل ولا الاستثمار ولا حتى على الاعتراف بأن التنمية تبدأ من احترام عقل المواطن لا من تفتيش سرواله.
ففي العروي، الرئيس يحكم وكأننا في مسلسل هزلي، والمواطن يؤدي دور الكومبارس، والمشهد متواصل بلا نهاية، فهل نضحك؟ أم نبكي؟ أم ننتظر رئيسا يعلن يوما ما عن افتتاح مشروع ضخم جديد منع ارتداء النظارات الشمسية داخل البلدية لأنها تحجب الرؤية عن الحقائق.
