في حادث مؤلم أثار صدمة واسعة وأسئلة محرجة، اندلع حريق ضخم داخل وحدة إنتاج وتحويل القنب الهندي الموجه للاستعمال المشروع، بمنطقة غفساي، أحد أبرز مراكز تجربة تقنين “الكيف” بالمغرب. النيران، التي التهمت المحصول والمعدات، خلفت خسائر مادية جسيمة، وخلّفت وراءها قلقاً عميقاً في نفوس الفلاحين الصغار الذين وضعوا ثقتهم الكاملة في هذا الورش الوطني الطموح، أملاً في الخروج من دائرة الهشاشة والملاحقات التي طبعت سنوات الزراعة التقليدية غير المهيكلة.
مشروع تقنين الكيف، الذي أطلقته الدولة قبل سنوات قليلة، جاء كإجابة جريئة على سؤال قديم طالما تجاهلته السياسات العمومية، وهو: كيف يمكن تحويل واقع تاريخي شائك إلى رافعة اقتصادية تنموية؟
وقد لقي هذا التوجه ترحيباً واسعاً من قبل الفلاحين، خصوصاً في مناطق كتامة وباب برد وغفساي، حيث أُسست تعاونيات، ونُظمت تكوينات، وبدأت عجلة التحول القانوني تدور بثقة.
غير أن حادث الحريق كشف عن جوانب خلل خطيرة تهدد هذا المسار.
فبين أسئلة عن مدى احترام معايير السلامة داخل الوحدة المحترقة، وشكوك حول توفر التأمين، وبين مخاوف الفلاحين من ضياع محاصيلهم دون تعويض، ظهر فراغ مؤسساتي وإعلامي واضح، زاد من ارتباك الفاعلين المحليين. فهل وحدات التحويل محمية فعلاً؟ وهل الفلاح طرف قانوني معترف به في عمليات التسليم؟ ومن يتحمل المسؤولية عن الأضرار؟
أسئلة لا تزال معلقة دون جواب رسمي.
تضامن واسع عبّر عنه نشطاء محليون، وجمعيات فلاحية، وبعض المنتخبين، الذين طالبوا بإجراء تحقيق نزيه وشفاف يُحدد المسؤوليات، ويضع النقاط على الحروف، لتفادي تكرار مثل هذه الكوارث مستقبلاً. فالمشروع لا يُختزل في البنية التقنية فقط، بل هو منظومة شاملة تتطلب رقابة دقيقة، وتأمينات فعالة، وضمانات قانونية لصالح الفلاحين.
وسط هذا المشهد، يخشى كثيرون من أن يتم دفن الملف في صمت إداري قاتل، وأن يُقدَّم الحريق كـ”حادث عرضي”، دون استثماره لتقوية منظومة التقنين، وتصحيح أعطابها، وتحفيز الجهات المسؤولة على الوفاء بالتزاماتها.
ومع ذلك، فإن ما جرى، رغم قسوته، يمكن أن يشكل لحظة يقظة جماعية.
فالورش الوطني لتقنين الكيف لا يحتمل المجازفة، ولا يجب أن يُبنى على هشاشة تنظيمية أو صمت مؤسساتي. بل هو مشروع وطني يجب أن يُدار بعقلانية وصرامة ومصداقية، لأنه يرتبط مباشرة بإعادة ثقة فئات عريضة من المواطنين في الدولة، ومصير مناطق لطالما عاشت على هامش التنمية.
إن الفلاح لا يطلب الكثير… فقط أن لا يتحول هذا الحريق إلى رماد يُذرّ في العيون، وأن لا يكون نهاية لحلم مشروع بدأ بشجاعة، ويستحق أن يُستكمل بمسؤولية.