في خطوة تعكس التزامها بتعزيز مبادئ الشفافية والنجاعة وتحقيق العدالة المواطنة، أصدرت رئاسة المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء تقريرها السنوي الموضوعاتي برسم السنة القضائية 2024، وذلك في إطار مواكبة المخطط الاستراتيجي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية (2021-2026)، سواء في شقه المرتبط بتجويد التدبير القضائي أو برفع مؤشرات الأداء القضائي والإداري.
التقرير، الذي توزع على عشرة محاور، شكّل مرآة مؤسساتية لواقع المحكمة وطريقة اشتغالها، حيث سعى إلى تقديم صورة شاملة عن بنية الاستقبال والولوج، والإمكانات البشرية واللوجستيكية والرقمية، ومستوى نجاعة الأداء في مختلف الغرف والمصالح، مع الحرص على إبراز مدى احترام المحكمة لمبادئ الحكامة الجيدة وسعيها الدائم لتحقيق فعالية قضائية تراعي حقوق المتقاضين وانتظاراتهم.
من بين أبرز ما توقف عنده التقرير، تسجيل مؤشرات إيجابية لافتة على مستوى تصفية القضايا، إذ بلغت نسبة المحكوم من الملفات المسجلة 102%، وتجاوزت نسبة المحكوم من القضايا الرائجة 90%، فيما بلغت نسبة تصفية الملفات المزمنة ببعض الغرف 100%، ما يُعزز مؤشر الثقة في المنتوج القضائي للمحكمة، خاصة وأن نسبة الطعن بالاستئناف لم تتعد 16.78%.
وفي ما يخص تنفيذ الأحكام، كشف التقرير أن عدد الملفات المنفذة فعليًا بلغ 4593 ملفًا، بنسبة تنفيذ بلغت 27.96%. غير أن التقرير لم يُغفل الإشارة إلى وجود صعوبات حقيقية ترتبط بعزوف طالبي التنفيذ عن متابعة الإجراءات، ما أدى إلى حفظ أزيد من 12 ألف ملف، وهي ظاهرة وصفها التقرير بغير الصحية، داعيًا إلى تجاوز معيقات التنفيذ لضمان فعالية القضاء.
وفي الجانب المرتبط بالتعويضات، سُجل تحسن ملحوظ في تنفيذ المقررات الصادرة ضد شركات التأمين، حيث بلغت نسبة التنفيذ 142.70%، بزيادة تفوق 31% مقارنة بسنة 2023، ما أسفر عن استخلاص تعويضات تفوق 3.4 مليار درهم. أما بخصوص التعويضات المنفذة في مواجهة صندوق ضمان حوادث السير، فقد شهدت قفزة نوعية، إذ انتقلت من حوالي 9 ملايين درهم سنة 2023 إلى أزيد من 90 مليون درهم سنة 2024، بزيادة ناهزت 894%.
التقرير توقف أيضا عند إكراهات بنيوية وتنظيمية ورقمية، خاصة ما يتعلق بمساطر التبليغ والخبرة، واصفًا إياها بالعقبات التي تعيق تحقيق النجاعة القضائية المنشودة، كما سلط الضوء على المقاربة التشاركية المعتمدة في تدبير الإدارة القضائية، وعلى المجهودات المبذولة لتأهيل الرأسمال البشري وتجويد أدائه، في سبيل ترسيخ صورة إيجابية عن المحكمة ورفع منسوب الثقة فيها.
وفي شق النشاط الثقافي والمؤسساتي، أبرز التقرير المبادرات المهنية والحقوقية والإنسانية التي احتضنتها المحكمة، وكذا علاقاتها التشاركية مع الفاعلين الداخليين والخارجيين، بما في ذلك المؤسسات ذات الاهتمام المشترك ووسائل الإعلام، ما يعكس انفتاحًا مؤسساتيًا وحرصًا على التواصل المستمر.
ويمثل هذا التقرير السنوي وثيقة مرجعية لقياس مستوى التفاعل مع توجيهات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومدى الانخراط في تفعيل التوجيهات الملكية السامية والمعايير الدستورية الكفيلة بضمان حقوق المتقاضين، في أفق الارتقاء بأداء العدالة وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتها.