الصين ترد بصرامة على ضغوط واشنطن: “النفط من إيران وروسيا خط أحمر”

5 أغسطس 2025Last Update :
الصين ترد بصرامة على ضغوط واشنطن: “النفط من إيران وروسيا خط أحمر”

في وقتٍ تشهد فيه العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة حالة من التفاؤل الحذر، وسط مفاوضات تهدف إلى تخفيف الرسوم الجمركية والقيود الاقتصادية، برزت نقطة خلاف حادة أعادت التوتر إلى الواجهة. بكين، التي انخرطت في محادثات شاقة مع وفد أميركي في ستوكهولم، رفضت بشكل صارم طلب واشنطن بوقف استيراد النفط من إيران وروسيا، متمسكة بما وصفته بـ”مصالحها الوطنية” و”سيادتها غير القابلة للمساومة”.

وزارة الخارجية الصينية أصدرت بياناً واضح اللهجة على موقعها الرسمي عقب يومين من المفاوضات، ردت فيه على تهديد واشنطن بفرض رسوم جمركية تصل إلى 100%. وجاء في البيان: “ستضمن الصين دائماً إمداداتها من الطاقة بما يخدم مصالحنا الوطنية. الإكراه والضغط لن يُحققا شيئاً. ستدافع الصين بحزم عن سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية”. هذا الرد القاطع يعكس موقف الصين المتجذر في رفض الإملاءات الخارجية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بسياساتها الطاقية وعلاقاتها الجيوسياسية.

الولايات المتحدة تسعى منذ أشهر إلى تقويض عائدات النفط الروسية والإيرانية عبر خنق منافذ التصدير، بغرض الحد من تمويل موسكو لحربها في أوكرانيا، وطهران لبرنامجها النووي. لكن بكين، التي تستورد ما يصل إلى 90% من صادرات إيران النفطية وأكثر من مليون برميل يومياً من روسيا، لم تُبدِ أي نية للتراجع. تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية لعام 2024 أشار إلى اعتماد الصين شبه الكامل على نفط إيران، كما كشفت بيانات معهد KSE الأوكراني أن واردات الصين من النفط الروسي ارتفعت بنسبة 20% في أبريل الماضي.

وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، وبعد انتهاء المحادثات، أقر بأن “الصينيين يأخذون سيادتهم على محمل الجد”، لكنه أضاف أن ذلك “لم يُعرقل المفاوضات”، معبّراً عن أمل واشنطن في التوصل إلى اتفاق تجاري شامل. إلا أن بيسنت، الذي وصف المفاوضين الصينيين بـ”الصارمين”، لمح إلى احتمال فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على بعض السلع الصينية إذا لم تُبدِ بكين مرونة في ملف الطاقة.

المحللون في الصين يرون أن بلادهم لن تُقدم تنازلات تحت التهديد. تو شين تشوان، مدير معهد الصين لدراسات منظمة التجارة العالمية، أكد أن “الصين ستُقاتل حتى النهاية” إذا فرضت واشنطن عقوبات جديدة. وبحسب خبير الشؤون الصينية سكوت كينيدي، فإن بكين ترى تناقضاً جوهرياً في السياسات الأميركية تجاه روسيا وإيران، وتعتبر أن دعمها لموسكو أداة استراتيجية لن تتخلى عنها بسهولة. داني راسل، من معهد سياسات جمعية آسيا، قال بدوره إن الصين ترى نفسها الآن “الطرف الأقوى” في هذه المعادلة، وترى أن إصرار ترمب على التوصل إلى صفقة شخصية مع شي جين بينغ يمنحها هامش مناورة كبيراً.

رفض الصين الانصياع للضغوط لا يتعلق فقط بمبدأ السيادة، بل بالبراغماتية الاقتصادية. فالنفط الإيراني والروسي يُشترى بأسعار تفضيلية، ويوفر للصين مورد طاقة مستقراً ورخيصاً في ظل الاضطرابات العالمية. في المقابل، تصر واشنطن على أن هذا الدعم المالي يغذي آلة الحرب الروسية، ويقوّض الجهود الغربية في كبح جماح موسكو.

وفي تصعيد آخر، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على البضائع القادمة من الهند، مرفقة بضريبة إضافية بسبب شراء نيودلهي النفط من روسيا. البيت الأبيض برّر هذا القرار بأن الهند، مثل الصين، تساهم في تمويل الحرب الأوكرانية من خلال تعاملاتها النفطية مع الكرملين. واعتبر مستشار البيت الأبيض ستيفن ميلر أن “الوقت قد حان لأن تكون الولايات المتحدة أكثر جدية في التعامل مع من يمول الحرب”.

الضغوط لم تقتصر على التهديدات الكلامية، إذ قدم السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام مشروع قانون يسمح بفرض رسوم تصل إلى 500% على أي دولة تشتري النفط أو الغاز أو اليورانيوم من روسيا. المشروع يحظى بدعم 84 من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، وينتظر إشارة من ترمب لدفعه قدماً.

في هذه الأثناء، تبقى الصين على موقفها الثابت: لا مساومة في الطاقة، ولا تنازل عن السيادة، ولو كلّفها الأمر الدخول في حرب تجارية جديدة مع الولايات المتحدة. وفي لعبة الشطرنج الجيوسياسي، يبدو أن بكين اختارت أن تكون الملك، لا مجرد بيدق في استراتيجية البيت الأبيض.

اترك رد

Breaking News