زلزال دستوري: المحكمة الدستورية تُسقط فصولًا محورية من قانون المسطرة المدنية وتنتصر للأمن القضائي وحقوق الدفاع

6 أغسطس 2025Last Update :
زلزال دستوري: المحكمة الدستورية تُسقط فصولًا محورية من قانون المسطرة المدنية وتنتصر للأمن القضائي وحقوق الدفاع

في قرار وصف بأنه تاريخي، قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية مجموعة من فصول قانون المسطرة المدنية، معتبرة أنها تضرب في العمق المبادئ الدستورية المتعلقة بالأمن القضائي وحقوق المتقاضين. القرار الصادر بتاريخ 4 غشت 2025 شكّل صفعة قوية للمشروع التشريعي الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان بغرفتيه، وأسقطت المحكمة من خلاله مقتضيات أساسية جاءت مخالفة للدستور.

وأولى هذه المواد هي الفصل 17، الذي منح النيابة العامة حق الطعن في الأحكام دون التقيد بالآجال، وهو ما اعتبرته المحكمة مسًّا بحجية المقررات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، وإضرارًا بمبدأ الأمن القضائي، مما يجعله غير مطابق للدستور.

كما أسقطت المحكمة الفصل 84، الذي نص على أن التبليغ يُعتبر صحيحًا بمجرد تسليم الاستدعاء لأي شخص صرّح بأنه وكيل للمطلوب تبليغه أو أنه يعمل لفائدته، وهو ما رأت فيه المحكمة مساسًا بضمانات التبليغ السليم وقرينة العلم الفعلي بالإجراءات القضائية.

وشمل قرار المحكمة أيضًا الفصل 90، الذي ينص على إمكانية حضور الأطراف أو من ينوب عنهم في الجلسات المنعقدة عن بُعد، حيث رأت المحكمة أن هذا المقتضى لا يستوفي الشروط الدستورية الكفيلة بضمان علنية الجلسات والمساواة بين الأطراف في ممارسة حقهم في الدفاع.

كما اعتبرت المحكمة أن الفصلين 107 و364، اللذين حرما المحامي من حق التعقيب على مذكرات ومستنتجات المفوض الملكي، يُخلان بمبدأ تكافؤ وسائل الدفاع بين أطراف المنازعة، وهو مبدأ دستوري أساسي لضمان المحاكمة العادلة، وبالتالي فهما غير مطابقين للدستور.

إلى جانب ذلك، شمل قرار عدم الدستورية كلًّا من:

الفصل 288 من قانون المسطرة المدنية،

الفصل 339 من نفس القانون،

إضافة إلى الفصلين 408 و410، اللذين خولا للوزير المكلف بالعدل إمكانية تقديم طلب الإحالة من أجل الاشتباه في تجاوز القضاة لسلطاتهم، أو بدعوى التشكك المشروع، وهي مقتضيات اعتبرتها المحكمة غير منسجمة مع مبدأ استقلال السلطة القضائية، مما جعلها تسقطها بدورها.

كما أسقطت المحكمة الفصلين 624 و628 من قانون المسطرة المدنية، معتبرة أنهما لا يحترمان المقتضيات الدستورية المنظمة للحقوق والضمانات القضائية.

وفي تعقيب سريع على هذا القرار، نشر ناشطون منشورات عبر وسائط التواصل الاجتماعي تعبر عن الأسف لكون مشروع قانون المسطرة الجنائية لم تتم إحالته بدوره على المحكمة الدستورية، مؤكدين أن هذه الأخيرة، لو عرض عليها المشروع، كانت ستقوم حتمًا بإبطال المادتين 3 و7، اللتين اعتُبرتا مدخلاً لتشريع الفساد المالي، من خلال استبعاد النيابة العامة من تحريك المتابعة في جرائم الأموال، ومنع الجمعيات المدنية من تقديم الشكايات ضد أباطرة الفساد وناهبي المال العام.

قرار المحكمة الدستورية يعيد إلى الواجهة النقاش العميق حول فلسفة التشريع بالمغرب، ويؤكد الحاجة الملحة إلى احترام التوازنات الدستورية، وضمان حقوق الدفاع، وتحصين القضاء من تغوّل السلطة التنفيذية، مع ضرورة إحالة كافة مشاريع القوانين الأساسية، خاصة ذات الصلة بالحريات والعدالة، على المحكمة الدستورية باعتبارها الحارس الأمين للشرعية الدستورية.

اترك رد

Breaking News