بقلم برحايل عبد العزيز
تعيش الزاوية البوتشيشية في المغرب واحدة من أصعب محطاتها التاريخية بعد وفاة الشيخ جمال البوتشيشي، الذي أعلن أمام الجميع أن خلفه الروحي سيكون السيد منير البوتشيشي، وهو الاختيار الذي حظي في البداية بإجماع واسع سواء من المريدين أو من كبار شيوخ الزاوية، بل حتى من الشيخ حمزة في وقت سابق، مما جعل الرأي العام الصوفي يعتقد أن مسألة الخلافة قد حُسمت بشكل نهائي.
غير أن المفاجأة الكبرى جاءت مع التصريح المثير للجدل الذي أدلى به منير البوتشيشي، معلناً فيه تنازله عن “السر” الروحي لصالح أخيه معاذ. هذا الإعلان فاجأ المريدين والمتابعين، وفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مدى مشروعية هذا التنازل، خصوصاً وأن السر الصوفي ليس ملكاً شخصياً يمكن التخلي عنه طوعاً، بل هو تكليف إلهي ينتقل من شيخ إلى آخر وفق معايير دقيقة، وهو جوهر استمرارية التصوف وأساس شرعيته الروحية.
تنامت إثر ذلك حالة من الارتباك داخل أوساط الزاوية، حيث رأى الكثير من المريدين أن الخطوة تُهدد جوهر التجربة الصوفية ذاتها، بل وتفتح المجال أمام التشكيك في كل ما آمنوا به طوال عقود. واعتبر بعض المراقبين أن ما يحدث قد يكون بمثابة “ضربة قاضية” للتصوف البوتشيشي، لأنه يُحوّل السر من تكليف روحي إلى مسألة إدارية أو عائلية، وهو ما ينسف المعنى الحقيقي للولاية الصوفية.
وقد ازدادت حدة الأزمة مع بروز أصوات معارضة من خارج المغرب، خاصة من ليبيا، حيث عبر أتباع الزاوية هناك عن رفضهم القاطع لأن يكون معاذ خليفة في هذا السياق الملتبس، ووجهوا رسالة رسمية إلى الملك محمد السادس يلتمسون منه التدخل لحماية “السر” وضمان أن يظل في يد الشخص الجدير به وفق تقاليد التصوف.
في المقابل، ظل منير البوتشيشي ملتزماً الصمت إزاء هذه الضجة، وهو صمت اعتبره كثيرون دليلاً على ارتباك وفقدان للبوصلة، أكثر منه موقفاً من الحكمة. فالمريدون، الذين كانوا يرون فيه الوريث الشرعي للسر، وجدوا أنفسهم في حالة شك عميق، يتساءلون عن سبب هذا التراجع المفاجئ، ويتخوفون من أن يقود الغموض الحالي إلى انقسامات تهدد وحدة الزاوية ومكانتها.
إن غياب موقف واضح ومعلن يشرح للمريدين حقيقة ما جرى، جعل الزاوية البوتشيشية تدخل مرحلة شك خطيرة، حيث لم يعد الأمر يقتصر على الجدل حول شخص الخليفة، بل مس جوهر التصوف نفسه ومعناه. والجميع اليوم ينتظر أن تتجاوز الزاوية هذه الأزمة بروح المسؤولية والوضوح، حفاظاً على رسالتها الروحية، وحتى يظل التصوف المغربي قائماً على أسس صلبة لا تهزها الخلافات أو الصراعات الداخلية.