نظام المقاول الذاتي بالمغرب أمام الانهيار: من حلم محاصرة البطالة إلى أزمة ثقة

ساعة واحدة agoLast Update :
نظام المقاول الذاتي بالمغرب أمام الانهيار: من حلم محاصرة البطالة إلى أزمة ثقة

تحققت تحذيرات عدد من الخبراء الذين نبهوا منذ سنوات إلى هشاشة نظام المقاول الذاتي بالمغرب، والذي جاء كأحد الحلول لمحاصرة البطالة، والحد من تفشي القطاع غير المهيكل، وتشجيع الشباب على ولوج عالم المبادرة الحرة. غير أن هذا النظام يشهد في الآونة الأخيرة نزيفاً غير مسبوق، يطرح تساؤلات جادة حول الأسباب التي قادته إلى أزمته الحالية.

وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، كشف في جواب كتابي أخير عن الإجراءات التي اتخذتها وزارته لمواجهة تراجع عدد المنخرطين، مؤكداً عقد لقاءات مع مختلف المتدخلين لدراسة سبل تطوير النظام وضمان استفادة المقاولين الذاتيين من الامتيازات التي يتيحها البرنامج الحكومي.

هذه الاجتماعات أفضت إلى تشخيص أولي أبرز مكامن الخلل، في مقدمتها ضعف التواصل، البطء الإداري، غياب المتابعة، صرامة الاشتراكات، إضافة إلى اختلالات تقنية في النظام المعلوماتي.

من جانبه، لم يتردد رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، عبد الإله الفركي، في وضع الأصبع على أحد أهم مكامن العطب، مشيراً إلى أن سقف 80 ألف درهم المنصوص عليه في قانون المالية، والذي يُرغم المقاول الذاتي على أداء ضريبة ثقيلة بنسبة 30% إذا تجاوزه مع نفس الزبون، أفقد النظام جاذبيته ودفع بالكثيرين إلى الانسحاب. كما أضاف أن المقاولين الذاتيين كانوا ينتظرون الاستفادة من تمويلات برنامجي “فرصة” و”انطلاقة”، غير أن ضبابية مصيرهما وصعوبة الولوج إلى التمويل جعلت التجربة أقل جدوى.

ويرى الفركي أن نظام المقاول الذاتي لا يمثل سوى جزء صغير من أزمة أعمق تمس المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تواجه شروطاً غير محفزة، مثل إلزام استثمار يفوق 100 مليون سنتيم للاستفادة من دعم الاستثمار، وهو ما يعجز عنه كثير من الفاعلين بعد الأزمات المتتالية، من جائحة كورونا مروراً بالجفاف وصولاً إلى التضخم.

إلى جانب ذلك، يشير مراقبون إلى أن انقضاء مدة الخمس سنوات الأولى من الإعفاءات الضريبية بالنسبة للجيل الأول من المقاولين الذاتيين أسهم بدوره في تسريع وتيرة الانسحاب، إذ وجدوا أنفسهم أمام ضرائب أثقلت كاهلهم.

الأخطر، وفق ما يؤكده خبراء، هو الانحراف الذي أصاب النظام عن مساره الأصلي، بعدما تحول في كثير من الأحيان إلى وسيلة للتحايل على القوانين الاجتماعية، إذ لجأت شركات، بينها مؤسسات عمومية، إلى التعاقد مع عمال بصيغة “المقاول الذاتي” للتنصل من التزامات مدونة الشغل، وهو ما حوّل نسبة كبيرة من هؤلاء إلى “أجراء مقنّعين” لا يلبثون أن يغادروا النظام بمجرد ظهور بدائل أكثر ضماناً لحقوقهم.

وهكذا، يتضح أن نظام المقاول الذاتي، الذي وُلد من رحم الرغبة في محاربة البطالة وتشجيع روح المبادرة، يواجه اليوم أزمة ثقة خانقة قد تنسف بجاذبيته ما لم تتدارك الحكومة مواطن الخلل العميقة وتعيد النظر في بنيته القانونية والمالية.

اترك رد

Breaking News