ا
بقلم: عماد شحتان.
في إقليم الناظور تتضح بشكل لافت ظاهرة انتشار الصفحات الإلكترونية الزائفة التي تنتحل صفة الصحافة، لتصبح أحد أبرز التحديات التي تهدد التوازن بين حرية الإعلام واحترام القانون، وتشكل تهديدًا ملموسًا على مستوى المؤسسات والمجتمع ككل، فهذه الصفحات التي تحمل أسماء توحي بالمهنية الإعلامية لكنها تفتقر إلى أي صفة قانونية أو تراخيص رسمية لم تعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل تحولت إلى أدوات تأثيرية تمارس نشاطًا إعلاميًا خارج أي إطار تنظيمي بما في ذلك نشر أخبار زائفة والتشهير بالأفراد والمؤسسات والولوج إلى فضاءات حساسة داخل المؤسسات العمومية والخاصة وصولًا إلى مؤسسات الدولة والقضاء.
والخطورة تكمن في الطبيعة الاقتحامية لهذه الممارسات حيث يحمل أصحاب هذه الصفحات ميكروفونات عليها أسماء صفحاتهم وكأنها بطاقة تعريف رسمية، ويجدون في كثير من الأحيان أبواب المؤسسات مفتوحة أمامهم بدافع الخوف من التشهير أو تجنبًا للمساءلة الإعلامية، وهذا الوضع يخلق بيئة غير متوازنة حيث يصبح انتشار المعلومات غير الموثوقة أكثر سهولة، ويضع الأفراد والمؤسسات في دائرة مستمرة من القلق النفسي والاجتماعي، ويؤدي إلى فقدان الثقة في وسائل الإعلام الرسمية والقضاء، وهو ما يضعف الأسس القانونية والأخلاقية للمجتمع المحلي.
كما أن التقارير الواقعية والحوادث المحلية في الناظور تؤكد أن هذه الظاهرة تجاوزت الحدود التقليدية للانتهاك الإعلامي، لتصبح تهديدًا للنسق الاجتماعي والقانوني، إذ أن وجود موقعين أو ثلاثة فقط على مستوى الإقليم يتمتعون بالصفة الصحفية الرسمية، يوضح مدى هشاشة الإطار المؤسسي والتنظيمي، ومع غياب الرقابة الفعلية يتيح لهذه الصفحات الزائفة أن تُمارس نشاطاتها دون رادع مستغلة الفراغ القانوني وضعف المتابعة القضائية، مما يؤدي إلى استمرار الابتزاز والتشهير وإلحاق الضرر بالمجتمع بكامله.
وفي هذا السياق يصبح تدخل النيابة العامة ضرورة حتمية وعاجلة ليس فقط لضمان تطبيق القانون، بل لإعادة الاعتبار لهيبة المؤسسات وحماية حقوق الأفراد والمجتمع، وعلى هذا الأساس لا يمكن الاكتفاء بالرقابة العامة، بل يجب أن يتم ذلك من خلال تفعيل مسؤوليات كل من السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناظور، والسيد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالناظور، بالإضافة إلى المحاكم الابتدائية التابعة للإقليم، لضمان متابعة دقيقة وفعّالة لكل من ينتحل صفة الصحافة أو يشارك في نشر الأخبار الزائفة والتشهير بالأشخاص والمؤسسات، وتدخل هؤلاء المسؤولين القضائيين يمثل خط الدفاع الأول لضبط المشهد الإعلامي المحلي، ومنع استمرار هذه الممارسات التي تهدد النظام العام وسمعة المؤسسات.
ذلك أن استمرار هذه الظاهرة دون تدخل فعّال يؤدي إلى خلق حالة من الفوضى الرمزية والاجتماعية، إذ يُخلط بين الإعلام الحقيقي والزائف ويصبح المواطن والمجتمع عُرضة للتضليل والابتزاز بشكل يومي، ومن هنا يتبين أن معالجة هذه الظاهرة ليست مجرد مسألة تطبيق نصوص القانون بل هي خطوة أساسية نحو استعادة الثقة بين المجتمع ومؤسساته، وضمان حق الأفراد في الحصول على المعلومات الصحيحة وحماية المؤسسات من التشويه الإعلامي غير القانوني.
وعلاوة على ذلك فإن غياب التدخل القضائي الفاعل ينعكس سلبًا على الوعي المجتمعي حيث يرى المواطنون أن القانون لا يحميهم من الابتزاز الإعلامي، مما قد يخلق حالة من الإحباط الاجتماعي ويضعف الالتزام بالقيم المهنية والأخلاقية، ومن هذا المنطلق فإن المسؤولية تقع بشكل مباشر على عاتق النيابة العامة، وعلى رأسها السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناظور، والسيد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالناظور، إلى جانب المحاكم الابتدائية التابعة للإقليم لضمان معالجة هذه الانتهاكات بشكل عاجل وحازم، وتحقيق الردع القانوني الفعلي لكل من ينتهك حقوق الأفراد والمؤسسات.
إن الظاهرة التي يشهدها إقليم الناظور ليست مجرد تحدٍ إعلامي أو قانوني بل تمثل اختبارًا حقيقيًا لجدوى المؤسسات القضائية وقدرتها على حماية المجتمع وتنظيم الفضاء الإعلامي المحلي، والتدخل الفوري للنيابة العامة يمثل ركيزة أساسية لإعادة التوازن وتحقيق العدالة الرمزية والقانونية، وضمان احترام حقوق الأفراد والمؤسسات، بما يرسخ مبادئ الشفافية والمساءلة ويعيد للمجتمع ثقته في القانون وفي المؤسسات القضائية والإعلامية على حد سواء.