العقوبات البديلة بين النظرية والتطبيق: ندوة علمية بتطوان تؤطرها قامات قضائية وقانونية

22 سبتمبر 2025Last Update :
العقوبات البديلة بين النظرية والتطبيق: ندوة علمية بتطوان تؤطرها قامات قضائية وقانونية

شهدت مدينة تطوان يوم الخميس 18 شتنبر 2025 حدثاً قانونياً بارزاً، تمثل في تنظيم جمعية المحامين الشباب بتطوان ندوة علمية احتضنها مقر دار المحامي، خصصت لموضوع أصبح اليوم يحتل صدارة النقاشات الأكاديمية والعملية في الساحة القضائية المغربية، ألا وهو تطبيقات العقوبات البديلة. وقد كان لافتاً الحضور النوعي الذي طبع هذا اللقاء، حيث اجتمع ثلة من القضاة والمحامين والنقباء والأساتذة الجامعيين والمهنيين في المجال القانوني والقضائي، إلى جانب عدد مهم من الطلبة الباحثين والمهتمين، مما أضفى على الندوة بعداً علمياً رفيعاً وتفاعلاً غنياً بين مختلف المكونات.

استهلت أشغال الندوة بمداخلة قيمة للنقيب محمد كمال مهدي، النقيب السابق لهيئة المحامين بتطوان، الذي بسط من خلالها الإطار العام المنظم لقانون العقوبات البديلة. وقد توقف مطولاً عند السياق التاريخي الذي أفرز هذا القانون، مؤكداً أن السياسة الجنائية المغربية كانت في حاجة ماسة إلى نص تشريعي من هذا القبيل، يواكب التحولات الاجتماعية والحقوقية، ويستجيب لمتطلبات العدالة الحديثة التي تتجاوز الطابع التقليدي للعقوبة السالبة للحرية. وأبرز أن المشرع، بإقراره لهذا القانون، إنما يسعى إلى تخفيف الاكتظاظ الذي تعرفه المؤسسات السجنية، وإيجاد بدائل عملية تحقق التوازن بين الردع وحماية المجتمع من جهة، وضمان إعادة إدماج المحكوم عليهم في النسيج الاجتماعي من جهة ثانية.

أما المداخلة الثانية، فقد كانت من تأطير الدكتور يونس الشوح، رئيس المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بتطوان، الذي تناول الموضوع من زاوية تحليلية جمعت بين الجانب النظري والتطبيقي. وقد سلط الضوء على أهمية العقوبات البديلة وأهدافها الكبرى، مؤكداً أن هذا القانون يشكل نقلة نوعية في النظام العقابي المغربي، إذ لم يعد الهدف ينحصر في العقوبة الحبسية بحد ذاتها، بل أصبح يرتكز على فلسفة بديلة تسعى إلى إرساء الردع العام والخاص مع تحقيق إعادة الإدماج. وتوقف في عرضه عند الإشكالات العملية والتحديات التطبيقية التي قد تعترض تنزيل مقتضيات القانون، سواء على مستوى صياغة الأحكام القضائية أو على مستوى التنفيذ، مشدداً في الآن ذاته على أن هذه الصعوبات لا تحجب القيمة المضافة التي جاء بها النص، والتي تجلت في إعادة صياغة العلاقة بين العدالة الجنائية والمجتمع في أفق أكثر إنسانية ونجاعة. واختتم مداخلته بالتنويه بمجهودات مختلف الفاعلين الذين ساهموا في بلورة هذا المشروع، معتبراً أن القانون الجديد أسهم في إخراج السياسة الجنائية الوطنية من ثوبها الكلاسيكي القائم على العقوبات السالبة للحرية إلى أفق حداثي أكثر رحابة يقوم على عقوبات بديلة قادرة على التوفيق بين مقتضيات الردع وضمانات الإدماج.

لقد أكدت هذه الندوة، بما شهدته من نقاشات وتدخلات تفاعلية بين مختلف الحاضرين، أن موضوع العقوبات البديلة لم يعد مجرد محور للنقاش الأكاديمي، بل تحول إلى رهان عملي يفرض نفسه على واقع العدالة المغربية. وما ميز هذا اللقاء العلمي أنه لم يكن مجرد عرض نظري للمقتضيات القانونية، بل كان فضاءً لتبادل الرؤى والخبرات بين القضاة والمحامين والأساتذة الجامعيين، في أفق ترسيخ فهم أعمق لهذا القانون وضمان تنزيله على نحو يحقق غاياته الكبرى. وبذلك، يكون هذا الموعد العلمي بتطوان قد أسهم في إغناء النقاش الوطني حول العقوبات البديلة، مؤكداً أن العدالة المغربية تخطو بثبات نحو مقاربة جديدة للعقوبة تقوم على التوازن بين الحزم في مواجهة الجريمة، والإنصاف في إعادة بناء الفرد داخل المجتمع.

اترك رد

Breaking News