في إطار استراتيجيتها الرامية إلى تعزيز التكوين المستمر وتبادل الخبرات بين مكونات أسرة القضاء، نظمت محكمة الاستئناف بمراكش، يومه الثلاثاء 23 شتنبر 2025، دورة تكوينية موجهة للسادة القضاة، خصصت لموضوع بالغ الأهمية في مجال المنازعات المدنية والعقارية، ويتعلق بـ “حسن النية في المنازعة العقارية”.
وقد جاءت هذه المبادرة في سياق وطني يتسم بتنامي النزاعات المرتبطة بالملكية العقارية وما تطرحه من إشكالات قانونية دقيقة، سواء على مستوى ضبط عناصر الحيازة والملكية، أو على مستوى حسن النية في التملك والتصرف. وهو ما جعل موضوع التكوين يلامس أحد المرتكزات الجوهرية التي تقوم عليها فلسفة التشريع المدني المغربي، حيث اعتبر المشرع حسن النية معياراً للعدالة في التعاقد والتصرف، وركيزة أساسية لضمان الأمن التعاقدي والعقاري.
الدورة التكوينية التي أطرها ثلة من القضاة الباحثين وأساتذة القانون، شكلت مناسبة لتسليط الضوء على أبعاد حسن النية في ضوء الاجتهادات القضائية لمحكمة النقض، والتشريعات المقارنة، فضلاً عن الممارسة العملية في المحاكم المغربية. وقد توقف المشاركون عند الدور المحوري لهذا المبدأ في حماية المراكز القانونية للمتقاضين، وتكريس الثقة في المعاملات العقارية، خاصة وأن النزاعات العقارية بالمغرب كثيراً ما ترتبط بإشكالية إثبات حسن النية أو سوءها عند حيازة العقار أو التصرف فيه.
كما شدد المتدخلون على أن إعمال هذا المبدأ لا ينحصر في الجانب الأخلاقي فحسب، بل يتجاوز ذلك ليصبح قاعدة قانونية تترتب عنها آثار عملية مهمة، منها حماية الغير حسن النية، وضمان استقرار المعاملات، ومنع التعسف في استعمال الحق. وهو ما يجعل من حسن النية مفهوماً مركباً يجمع بين البعد القيمي والبعد القانوني، ويستلزم من القضاة دقة في تقدير الوقائع وتفكيك النزاعات.
وتندرج هذه الدورة في إطار دينامية التكوين المستمر التي ما فتئت محكمة الاستئناف بمراكش تنخرط فيها، انسجاماً مع التوجهات الكبرى للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، الرامية إلى الرفع من القدرات المهنية للقضاة، ومواكبة المستجدات القانونية والاجتهادات القضائية المتطورة.
وبذلك، فقد شكل هذا اللقاء مناسبة لتجديد النقاش حول كيفية تكريس مبدأ حسن النية في المنازعة العقارية كآلية لتحقيق الأمن القانوني والقضائي، وكرافعة لترسيخ الثقة في القضاء باعتباره ضامناً للحقوق وحامياً للملكية.