تفتيش الهاتف بدون إذن مسبق: محكمة النقض تؤكد بطلان الإجراءات المعيبة.

3 ساعات agoLast Update :
تفتيش الهاتف بدون إذن مسبق: محكمة النقض تؤكد بطلان الإجراءات المعيبة.

الدكتور عبدالرحيم موهوب.

جاء في قرار لمحكمة النقض المغربية أن أي حكم أو قرار قضائي لا بد أن يكون مستندًا إلى تعليل شامل من الناحيتين الواقعية والقانونية، وإلا اعتُبر باطلاً، إذ إن نقصان التعليل يعادل انعدامه، وهو ما يشكل خرقًا صريحًا لمبدأ مشروعية الأحكام وضمانات العدالة الأساسية.

تتعلق القضية بالطاعن الذي تم التحقيق معه بشأن جنحة معينة، حيث تبين من خلال محضر الجلسة المنعقدة بتاريخ 18 أكتوبر 2021 أن الطاعن تمسك، عبر دفاعه، ببطلان محضر الشرطة القضائية استنادًا إلى خرق الفصل 24 من الدستور المغربي، الذي يكفل حماية الحياة الخاصة وسرية المعطيات الشخصية. وقد ارتكز الطعن على ولوج ضابط الشرطة القضائية إلى البيانات المخزنة بهاتف المتهم دون الحصول على إذن مسبق، وتفريغ هذه البيانات في محاضر رسمية تُستخدم لاحقًا كدليل في الدعوى الجنائية، وهو ما اعتُبر إجراءً معيبًا يخرق الحق في الخصوصية الرقمية ويخرج عن نطاق الضوابط القانونية المعمول بها في جمع الأدلة الجنائية.

ورغم هذه الملاحظات، أصدرت محكمة الاستئناف القرار المطعون فيه وأيدت الحكم الابتدائي، معتمدة على الحجية القانونية لمحاضر الشرطة القضائية، دون تقديم أي رد على الطعن المتعلق بخرق الفصل 24، وهو ما يمثل نقصًا في التحليل القانوني يجعل التعليل كأنه لم يكن. وقد أكدت المحكمة العليا أن التعليل الواقعي والقانوني ليس مجرد شكل شكلي، بل ركيزة جوهرية لضمان حقوق الأطراف وحماية المتهمين من أي إجراءات قد تُخل بالعدالة. أي حكم يستند إلى أدلة جُمعت بطريقة مخالفة للقانون أو للدستور يكون معرضًا للنقض والإبطال، لأن الالتزام بالقواعد الإجرائية للأدلة الرقمية يشكل جزءًا من ضمانات الدفاع وحق المتهم في محاكمة عادلة.

ويكفل الفصل 24 من الدستور المغربي الحق في الحياة الخاصة وسرية المعطيات الشخصية، بما في ذلك المعلومات المخزنة على الأجهزة الرقمية مثل الهواتف النقالة، ويشكل حجر الزاوية في حماية البيانات الشخصية. ويؤكد القرار أن أي ولوج غير مصرح به إلى المعطيات الرقمية، سواء من قبل الشرطة أو أي جهة تحقيقية، يشكل خرقًا دستوريًا صريحًا يؤدي إلى بطلان الإجراءات المرتبطة بها.

ويأتي هذا القرار أيضًا في انسجام مع المعايير الدولية المتعلقة بالحقوق الرقمية وحماية البيانات الشخصية، حيث تكفل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المادة الثامنة، التي تكفل حق الحياة الخاصة وسرية المراسلات، وتلزم الدول باتخاذ تدابير صارمة لحماية البيانات الشخصية ومنع الوصول غير القانوني إليها. كما تتماشى المبادئ الدولية مع الممارسات القضائية الحديثة في حماية الخصوصية الرقمية، إذ أصبح القانون يفرض على سلطات التحقيق الحصول على إذن مسبق من الجهات القضائية قبل تفتيش الأجهزة الإلكترونية، تفاديًا لانتهاك الحقوق الأساسية للأفراد.

وقد سجلت المحاكم المغربية عدة أحكام مماثلة تؤكد على ضرورة احترام إجراءات جمع الأدلة الرقمية، إذ قضت بأن أي محاضر تحتوي على بيانات تم جمعها بطرق غير قانونية، حتى لو أشارت إلى وقائع جرمية، لا يمكن الاستناد إليها لإدانة المتهم. كما أكدت محكمة العدل الأوروبية في عدة قضايا أن أي انتهاك للخصوصية الرقمية للمتهمين يشكل أساسًا كافيًا لبطلان الإجراءات، وأن المحاكم مطالبة بالنظر في هذه الانتهاكات قبل الحكم على أي قضية جنائية.

بناءً على ما سبق، قضت المحكمة بنقض وإبطال القرار المطعون فيه الصادر عن غرفة الجنح الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالرباط، وإحالة الملف إلى نفس المحكمة لإعادة البت فيه وفق الأصول القانونية، ما يعكس حرص القضاء الأعلى على صون قواعد العدالة وضمانات المحاكمة العادلة وحماية الحقوق الرقمية للأفراد. ويعد القرار بمثابة رسالة واضحة للسلطات القضائية والأمنية بأن أي إخلال بالقواعد القانونية في جمع البيانات أو تفتيش الأجهزة الشخصية، حتى إذا كان بدافع التحقيق الجنائي، يؤدي إلى بطلان الإجراءات، ويجعل الحكم الذي يستند إليها قابلاً للنقض.

ويؤكد القرار أن الالتزام بالتعليل الواقعي والقانوني وحماية الخصوصية الرقمية ليس خيارًا قضائيًا بل واجب دستوري وقانوني ملزم، ويعكس وعي القضاء المغربي المتزايد بأهمية حماية الحقوق الرقمية للمواطنين وضمان أن أي إجراء متخذ من قبل الشرطة أو الجهات القضائية يحترم القانون والدستور، بما يوازن بين مصلحة التحقيق الجنائي وحقوق الأفراد.

اترك رد

Breaking News