مراكش تحتضن مؤتمر الشبكة الفرنكفونية للمجالس العليا للقضاء: نحو عدالة مستقلة وشفافة وإنسانية

4 ساعات agoLast Update :
مراكش تحتضن مؤتمر الشبكة الفرنكفونية للمجالس العليا للقضاء: نحو عدالة مستقلة وشفافة وإنسانية

 

احتضنت مدينة مراكش، يوم الخميس 16 أكتوبر 2025، أشغال مؤتمر الشبكة الفرنكفونية للمجالس العليا للقضاء، الذي تستضيفه المملكة المغربية تحت شعار “الحصيلة والآفاق بعد عشر سنوات من التأسيس”، في حدث دولي بارز يجمع رؤساء المجالس العليا للقضاء وممثلين عن المنظمات الدولية الناطقة بالفرنسية من سبع عشرة دولة، ويعكس المكانة المتميزة للمغرب في فضاء العدالة الفرنكفوني ودوره الريادي في ترسيخ التعاون القضائي وتبادل الخبرات.

وفي الجلسة الافتتاحية، ألقى السيد محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، كلمة أكد فيها أن هذا المؤتمر يشكل محطة تأمل وتقييم جماعي لما تحقق منذ تأسيس الشبكة سنة 2014، كما يمثل انطلاقة جديدة نحو المستقبل في ضوء التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم، وما تفرضه من ضرور

احتضنت مدينة مراكش، يوم الخميس 16 أكتوبر 2025، أشغال مؤتمر الشبكة الفرنكفونية للمجالس العليا للقضاء، الذي تستضيفه المملكة المغربية تحت شعار “الحصيلة والآفاق بعد عشر سنوات من التأسيس”، في حدث دولي بارز يجمع رؤساء المجالس العليا للقضاء وممثلين عن المنظمات الدولية الناطقة بالفرنسية من سبع عشرة دولة، ويعكس المكانة المتميزة للمغرب في فضاء العدالة الفرنكفوني ودوره الريادي في ترسيخ التعاون القضائي وتبادل الخبرات.

وفي الجلسة الافتتاحية، ألقى السيد محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، كلمة أكد فيها أن هذا المؤتمر يشكل محطة تأمل وتقييم جماعي لما تحقق منذ تأسيس الشبكة سنة 2014، كما يمثل انطلاقة جديدة نحو المستقبل في ضوء التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم، وما تفرضه من ضرورة تعميق أدوار المجالس القضائية في ضمان حسن سير العدالة وجعلها أكثر مصداقية وشفافية وقرباً من المواطنين. وأوضح أن العدالة الحديثة لا يمكن أن تقوم على مجرد النصوص والتنظيمات، بل على فلسفة مؤسساتية تجعل من القاضي محور الإصلاح ومناط الثقة، ضمن رؤية شمولية توازن بين الاستقلال والأخلاق والتواصل.

وأكد السيد الرئيس المنتدب أن العدالة المعاصرة تستند إلى ثلاث ركائز أساسية: الاستقلال، الأخلاقيات، والتواصل. فالاستقلال، بحسب تعبيره، ليس امتيازاً شخصياً للقاضي، وإنما حق أصيل للمتقاضي يجب الحرص على ضمانه لجميع القضاة والمؤسسات القضائية. واستحضر في هذا السياق التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الذي أكد أن مبدأ الاستقلال لم يُشرع لفائدة القضاة بل لصالح المتقاضين، وأنه إذ يرتب حقاً لهم، فإنه يلقي واجباً على عاتق القاضي. هذه الرؤية الملكية، كما أشار عبد النباوي، تؤكد أن الاستقلال القضائي ليس غاية في ذاته، وإنما وسيلة لحماية الحقوق وترسيخ الثقة في العدالة، ما يجعله مسؤولية مؤسساتية قبل أن يكون وضعاً شخصياً.

أما الأخلاقيات، فقد اعتبرها جوهر أي إصلاح قضائي حقيقي، إذ لا معنى لاستقلال بلا أخلاق، كما لا قيمة للأخلاق بلا التزام مؤسساتي. فالقاضي مطالب، وفق هذه الرؤية، بالتحلي بالنزاهة والشجاعة والحياد والكفاءة، لأن الأخلاق القضائية هي ما يمنح العدالة هيبتها في الوجدان الجماعي للمجتمع. وقد ذكّر في هذا الصدد بمضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح السنة القضائية، والذي شدد فيه جلالة الملك محمد السادس على أن إصلاح القضاء يهدف إلى تحديث جهاز العدل وتخليقه وتأهيله ليظل في مستوى انتظارات المجتمع.

أما التواصل، فقد وصفه السيد عبد النباوي بأنه رافعة مؤسساتية ومسؤولية جماعية تقتضي انخراطاً واعياً ومتوازناً من طرف القضاة، يزاوج بين حرية التعبير وواجب التحفظ الذي يشكل أساس سلطتهم الأخلاقية. فالقاضي، في نظره، ليس فقط فاعلاً في إصدار الأحكام، بل هو أيضاً مرآة لضمير العدالة في المجتمع، ووجوده في الفضاء الرقمي يجب أن يكون بقدر من الوعي والالتزام يحفظ كرامة المرفق وهيبة القضاء. وأكد أن الاستقلال يفقد معناه إذا لم يكن مؤطراً بالأخلاق، لكنه يتحول بوجودها إلى قوة بناءة تزرع الثقة في المواطن، وأن هذه القوة لا يمكن أن تتجلى إلا من خلال تواصل مؤسساتي واضح وإنساني.

وفي ختام كلمته، شدد السيد الرئيس المنتدب على أن العدالة الحقة ليست مجرد مرفق إداري، بل وعد جماعي ببناء مؤسسات مستقلة قريبة من المواطنين، قادرة على تجسيد قيم المساواة والكرامة وسيادة القانون. وأكد أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية سيواصل دعمه الثابت لكل المبادرات الدولية الرامية إلى تعزيز التعاون القضائي، تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الذي جعل من استقلال القضاء وشفافيته ونزاهته ركائز أساسية لبناء دولة الحق والمؤسسات.

وقد نوهت الوفود المشاركة بحفاوة الاستقبال وجودة التنظيم التي ميزت هذا اللقاء الدولي، معتبرة أن احتضان مدينة مراكش لهذا المؤتمر في ذكراه العاشرة يجسد العمق التاريخي والحضاري للمغرب ومكانته المتميزة داخل الفضاء الفرنكفوني. كما ثمنت المشاركات الجهود المغربية في دعم التعاون القضائي وتبادل التجارب بين المؤسسات العليا للعدالة، باعتباره نموذجاً ملهمًا في إشاعة ثقافة الثقة والتكامل بين الأنظمة القضائية.

ويتضمن مؤتمر هذه السنة أربعة محاور علمية رئيسية، تتمثل في تقييم حصيلة عشر سنوات من تجربة الشبكة الفرنكفونية للمجالس العليا للقضاء، واستقلال المجالس القضائية، والبعد الأخلاقي في وظيفة القاضي، ثم دور القاضي كفاعل وموضوع للتواصل في الفضاءات الرقمية وواجب التحفظ، وهي محاور تؤكد أن العدالة المعاصرة لم تعد مجرد نظام لإصدار الأحكام، بل مشروع مجتمعي لبناء الثقة، وتجسيد القيم، وترسيخ سيادة القانون في زمن التحولات الكبرى.

اترك رد

Breaking News