قرار مجلس الأمن الأخير: اعتراف أممي بعدالة الموقف المغربي وانطلاقة نحو مغرب جديد يسود فيه الأمن والاستقرار

4 ساعات agoLast Update :
قرار مجلس الأمن الأخير: اعتراف أممي بعدالة الموقف المغربي وانطلاقة نحو مغرب جديد يسود فيه الأمن والاستقرار
قرار مجلس الأمن الأخير: اعتراف أممي بعدالة الموقف المغربي وانطلاقة نحو مغرب جديد يسود فيه الأمن والاستقرار

بقلم : ذ عماد شحتان

في لحظة سياسية مفصلية من تاريخ المنطقة، أطلّ قرار مجلس الأمن الأخير المتعلق بقضية الصحراء المغربية كضوءٍ ساطعٍ يبدّد غياهب الالتباس ودهاليز الصراع الطويل الذي أنهك شعوب المنطقة وأهدر من طاقاتها ما كان كفيلًا بتحقيق نهضتها الجماعية. لقد جاء هذا القرار الأممي ليؤكد، بوضوح لا يقبل التأويل، أنّ الحل الواقعي والعادل والدائم يتمثل في مبادرة الحكم الذاتي التي قدّمها المغرب تحت سيادته، باعتبارها الإطار الوحيد القابل للتطبيق والمبني على التوافق، وبذلك يكون مجلس الأمن قد وضع حداً لخمسين عاماً من المماطلة التي عطّلت إمكانيات التنمية المشتركة، وكرّست واقعاً مشوّشاً تاهت فيه المفاهيم بين تقرير المصير ومفهوم الدولة الوطنية ووحدة التراب.

إن هذا القرار التاريخي لم يكن مجرّد وثيقة دبلوماسية تُضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة، بل يمثل تحوّلاً نوعياً في الوعي الدولي تجاه قضية الصحراء، حيث اعترف المجتمع الدولي، من خلال أعلى هيئة تقريرية في العالم، بمشروعية الموقف المغربي وبعمق رؤيته السياسية التي راهنت منذ البداية على الواقعية والعقلانية والاحترام الكامل للشرعية الدولية. لقد أنصف القرار المغرب في قضيته العادلة، وأعاد تصويب ميزان العدالة التاريخية بعدما تأكد للعالم أن الصحراء ليست قضية حدود، بل قضية هوية وانتماء وشرعية تاريخية. فالمغرب لم يكن يوماً غازياً أو محتلاً، بل دولة ذات سيادة تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ، ومارس سلطاته السياسية والإدارية والروحية على أقاليمه الجنوبية منذ قرون طويلة، قبل أن تزرع الحقبة الاستعمارية بذور النزاع في تربة الإخوة والجوار وتعبث بتوازنات المنطقة.

وفي أعقاب صدور هذا القرار، جاء خطاب جلالة الملك محمد السادس ليعطي له بعده الإنساني والسياسي والأخلاقي في آنٍ واحد، فبينما كان البعض يتوقع خطاباً يتشح بلهجة المنتصر أو المتحدي، جاء الخطاب الملكي متسامياً عن حسابات الانفعال ومفردات الغلبة، مؤكداً أن أبناء “البوليساريو” هم مغاربة قبل كل شيء، وأنهم ليسوا خصوماً بل إخوة ضلّوا الطريق تحت تأثير الدعاية والانغلاق الإيديولوجي الذي فُرض عليهم خلال عقود من التوظيف السياسي للقضية. هذا الخطاب لم يكن مجرد إعلان سياسي، بل كان تعبيراً عن فلسفة دولة ناضجة، تستند إلى قيم التسامح والاحتضان الوطني، وتؤمن بأن البناء الوطني لا يقوم على الإقصاء ولا على منطق العقاب، وإنما على الإدماج والمصالحة، لأن المغرب القوي هو الذي يحتضن أبناءه مهما تفرقت بهم السبل أو تباعدت بهم الجغرافيا.

وفي لحظة إنسانية عميقة، أكد جلالة الملك أيضاً أن روابط الأخوة مع الجزائر ستظل قائمة، وأن الجغرافيا والتاريخ لا يمكن أن يُلغيهما وهم الخلافات المصطنعة ولا العداوات السياسية الظرفية. فبين المغرب والجزائر نهر من الدماء المشتركة والذاكرة والتاريخ والمصير الواحد، وما يجمع الشعبين أكبر بكثير مما يفرقهما، لأنهما ينتميان إلى فضاء حضاري وإنساني واحد. وهنا تتجلى الرؤية الاستراتيجية في الخطاب الملكي، إذ لم يكن الخطاب موجهًا إلى الداخل المغربي فقط، بل كان رسالة مفتوحة إلى الجارة الجزائر، عنوانها الوضوح والصدق والإخاء، ودعوة إلى تجاوز الماضي وإعادة بناء المستقبل على أسس التعاون وحسن الجوار والاحترام المتبادل.

إن القرار الأممي الأخير، من هذه الزاوية، ليس قراراً موجهاً ضد أحد، ولا انتصاراً سياسياً على طرفٍ بعينه، بل هو منطلق نحو بناء مغرب جديد قوامه التنمية المستدامة والوحدة الوطنية والأمن والاستقرار الإقليمي. فالمجتمع الدولي، من خلال هذا القرار، أقرّ بأن وحدة المغرب الترابية ليست فقط مبدأً سيادياً، بل شرطاً أساسياً لضمان الأمن الجماعي في شمال إفريقيا والساحل، بعدما بات واضحاً أن استمرار النزاع يفتح الباب أمام الجماعات المتطرفة وتجار الفوضى العابرة للحدود. لقد أدركت الأمم المتحدة، بعد تجارب مريرة في مناطق متعددة من العالم، أن استقرار الدول ذات الشرعية التاريخية والمؤسسات الراسخة هو السبيل الأنجع لتفادي الأزمات الإنسانية والأمنية، ومن هنا كان الاعتراف العملي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية تعبيراً عن إرادة دولية في صون الاستقرار وبناء الثقة في منطقة لطالما كانت على فوهة صراعات محتملة.

هذا القرار كشف الغُمّة التي حجبت طويلاً الحقيقة، وأزاح ركام الظلمة التي صنعتها الإيديولوجيات العابرة للحدود، وفضح سوء الفهم الذي غذّته الحسابات السياسية الضيقة بين المغرب والجزائر. فاليوم، لا يمكن لأي مراقب موضوعي إلا أن يُقرّ بأن مجلس الأمن، وهو أرفع سلطة تقريرية في العالم، لا يصدر أحكامه على أساس العواطف أو التحالفات، بل وفق معايير الشرعية الدولية ومبادئ الواقعية السياسية، وبناءً على معطيات ميدانية ومؤشرات استقرار واضحة. إن الأمم المتحدة، بقرارها هذا، وجّهت رسالة قوية إلى جميع الأطراف مفادها أن زمن الشعارات قد ولى، وأن الحلول تُبنى على الوقائع، لا على الأوهام.

ومع مرور الوقت، ستجد الجزائر نفسها، بحكم المنطق الجيوسياسي والمصلحة الاقتصادية والأمنية، مدفوعة إلى مراجعة مواقفها، لأن استمرار القطيعة مع المغرب لا يخدم سوى القوى الخارجية التي تستفيد من انقسام المنطقة. فاليوم، تتبدى في الأفق ملامح وعي جديد، بدأ يتشكل داخل الرأي العام المغاربي، مفاده أن مستقبل المنطقة لا يمكن أن يبنى على الصراع، بل على التكامل الاقتصادي والمجتمعي. ومع هذا التحول الأممي، ستدرك الجزائر لا محالة أن العدالة الأممية وقفت إلى جانب منطق التاريخ والجغرافيا، وأن قضية الصحراء لم تكن يوماً نزاعاً بين دولتين، بل سوء فهم ممتد أنتجته مراحل تاريخية معقدة.

فالقرار الأممي الأخير لا يطوي فقط صفحة نزاع إقليمي طال أمده، بل يفتح أفقاً جديداً لمغرب المستقبل، مغربٍ يكرّس وحدة الأرض والإنسان، ويعيد ترميم الجوار بروحٍ من الأخوة والمصير المشترك. إنّها لحظة ميلاد سياسي جديد تتجاوز منطق النصر والهزيمة، لتؤسس لمفهوم المصلحة الكبرى، حيث تتحول الوحدة الوطنية إلى شرط للتنمية، والاستقرار إلى أساس للأمن الجماعي، والشرعية التاريخية إلى أداة لإعادة صياغة العلاقات بين الدول على أسس جديدة قوامها الثقة والتعاون واحترام السيادة.

وهكذا، فإن قرار مجلس الأمن لم يكن مجرد حكمٍ في نزاعٍ إقليمي، بل لحظة اعترافٍ أممي بعدالة قضيةٍ كانت وما زالت عنواناً لمشروع وطني قائم على الشرعية والسيادة والكرامة. لقد أنصف القرار المغرب، وأنصف الحقيقة، وأعاد رسم الطريق نحو مغربٍ جديدٍ تُظلّه راية واحدة، وتنبض فيه روح الوطن الواحد الممتد من طنجة إلى الكويرة، وطنٍ طوى صفحة الالتباس، وفتح باب الأمل أمام مستقبلٍ تصنعه الإرادة لا الدعاية، ويقوده الإيمان بالوحدة لا الانقسام، ويستند إلى التاريخ والشرعية لا إلى الوهم والخصومة.

اترك رد

Breaking News