سطات :أحكام بالحبس في حق رئيس وأعضاء جماعة رأس العين بعد دورة غير عادية في فنون الكاراتيه السياسي.

4 ساعات agoLast Update :
سطات :أحكام بالحبس في حق رئيس وأعضاء جماعة رأس العين بعد دورة غير عادية في فنون الكاراتيه السياسي.

 

بقلم: إيمان بوسويف.

في جماعة رأس العين بإقليم سطات، التي تتقاطع فيها الطرق بين العبث والتنمية الضائعة، عقد المجلس دورته الأخيرة لكنها لم تكن دورة عادية، بل كانت أقرب إلى نزالٍ انتخابي مفتوح تُرفع فيه القبضات بدل الأيدي للتصويت، وتُستعمل فيه الطاولات كدروعٍ دفاعية والكراسي كأسلحةٍ تشريعية!

غير أن المحكمة الابتدائية ببن أحمد قالت كلمتها أخيرًا، فوزعت أحكامها بين خمسة وستة أشهر موقوفة التنفيذ، وكان أقصاها في حق رئيس الجماعة، هذا الرجل الذي ظنّ أن الرئاسة تمنحه حصانة من كل شيء، حتى من اللكمات، فإذا به يكتشف أن الانتخاب لا يحمي من النطاح، وأما باقي أعضاء الأغلبية المساندة له، فقد نالوا نصيبهم من الأحكام بعد أن أثبتوا – ميدانيًا – أن الولاء للرئيس لا يُقاس بعدد الأصوات في الجلسات بل بعدد اللكمات في المعارك.

إن القصة بدأت كما تبدأ كل المآسي الصغيرة في عالم الجماعات، حيث دورة مخصصة لمناقشة جدول أعمال مملّ عن الميزانية والمشاريع وحاجيات الساكنة، لكن بدل الحديث عن الماء الصالح للشرب، بدأ النقاش يسخن حول الكرسي الصالح للضرب، وبدل مناقشة البنية التحتية انشغل الأعضاء بتجريب البنية الجسدية.

ففي البداية كانت المعارضة تطلق سهامها اللفظية على الرئيس، وتصفه بالفشل والعجز، فابتسم الرجل ابتسامة صفراء وقال أن الرد سيكون في الميدان، ولم يكن أحد يظن أنه يقصد الميدان الحرفي. ودقائق فقط بدأت الكراسي تتحرك والطاولات ترتج، وعلت الأصوات كأننا في مباراة نهائية لدوري الأغلبية ضد المعارضة، فأحد الأعضاء – الذي يشغل في الوقت نفسه عضوية المجلس الإقليمي – قرر أن يجسد دوره كمقاتل احتياطي، فانقضّ على زميله كأنه في تدريب عسكري، لولا أن الحظ العاثر جعل يده تصطدم بزجاجة ماءٍ كانت فوق الطاولة، لتتحول الدورة إلى معركة مائية بامتياز.

وأحد الحاضرين من المواطنين – الذين جاءوا لمتابعة أشغال المجلس – التقط هاتفه لتصوير المشهد، لكن لم يكد يرفع الكاميرا حتى صاح أحد الأعضاء: أطفئ التصوير، هذا اجتماع سري، فرد عليه آخر بل علني لأن الدماء سالت علنا، فعمّت القاعة موجة ضحكٍ هستيرية ممزوجة بصراخٍ جماعي.

وفي لحظةٍ معينة أُطلقت صرخة استغاثة من أحد الأعضاء الذين تلقوا ركلة غير مبرمجة، فأُرسلت سيارة الإسعاف بسرعة نحو الجماعة. وصلت وسط ذهول الجميع، ووجدت صعوبة في التمييز بين المصابين فعلاً والمتظاهرين بالإصابة، لأن بعض الأعضاء بدأوا يتصنّعون الألم لتسجيل نقاطٍ إضافية في محضر الدرك. فأحدهم قال للمسعف: أحسّ بدوار سياسي، فرد عليه المسعف ذاك مرضٌ مزمن لا علاج له في المراكز الصحية.

وأما رجال الدرك الملكي، فقد وصلوا متأخرين كما يحدث دائمًا في الأفلام الكوميدية، فوجدوا القاعة أشبه بساحة معركةٍ بعد الانسحاب، فكراسي مقلوبة أوراق الميزانية مبعثرة على الأرض، ورئيس الجماعة يتفقد نظارته المكسورة، وأحد الأعضاء يضع الثلج على خده الأيمن. وحاول أحد عناصر الدرك تهدئة الوضع قائلاً الهدوء رجاءً، من البادئ، فانهالت عليه الإجابات دفعة واحدة هو بدأ، لا أنا كنت أدافع عن نفسي، هو شتمني، لا هو استفزني، إلى أن صاح عنصر الدرك فيهم بعبارة خالدة كلّكم متّهمون!.

أما الرئيس – الذي طالما تباهى بخطبه عن الديمقراطية التشاركية – وقف مرتبكًا وهو يمسح العرق عن أنفه، محاولًا الحفاظ على هيبته، لكنه لم يجد ما يقوله سوى جملة مأثورة ستُخلّد في ذاكرة الجماعة نحن أغلبية منسجمة… في الضرب والجرح.

ولأننا في زمن المهرجانات أكثر من زمن المشاريع، فإن بعض الأعضاء اقترحوا – على سبيل النكتة – تنظيم مهرجان رأس العين للفنون القتالية السياسية، يشارك فيه كل من حضر تلك الدورة التاريخية. بل هناك من اقترح دعوة جمهورٍ لمتابعة الدورات المقبلة مقابل تذاكر رمزية، لأن المشهد – حسب قوله – أكثر متعة من مباريات المنتخب الوطني.

وأما الولي الصالح سيدي امحمد البهلول، الذي أُقحم اسمه ظلماً في كل موسم انتخابي، فقد صار الآن – لو جاز التعبير – المتفرج الأبدي من قبره، يشاهد أبناء منطقته يتنافسون لا في التقوى، بل في الضرب باسم الولاية، وكأنهم يستنجدون ببركته لتقوية عضلاتهم لا لتزكية أعمالهم.

ومهما حاولوا التبرير أو التجميل، فإن هذه الأحكام – وإن كانت موقوفة التنفيذ – ستظل وصمة في تاريخهم الانتخابي. فحين يصبح الرئيس ومن معه من الأغلبية أصحاب سوابق في الضرب والجرح الجماعي، فذلك يعني أن المجلس لم يعد هيئة منتخبة بل فرقة ملاكمة إدارية، وأن التنمية لم تعد هدفًا بل ضحية جانبية.

وفي النهاية، خرج الجميع من القاعة مصابين في الجسد أو في السمعة، وبقي المواطن المسكين يردد في حسرة اللهم ارزقنا جماعةً تناقش المشاريع لا المقاتلات، وتوزع الميزانية لا الصفعات.

وهكذا، انتهت الدورة – أو النزال – على إيقاع صافرة سيارة الإسعاف بدل الجرس التشريعي، لتبقى جماعة رأس العين نموذجًا فريدًا في الديمقراطية العضلية، حيث تُصنع القرارات بالأيدي وتُبرر بالابتسامات أمام الكاميرات.

اترك رد

Breaking News