إن مقام الإسلام يتم التعبير عنه بالشريعة، ومقام الإيمان بالطريقة، ومقام الإحسان بالحقيقة. فالشريعة تعتبر تكليفا للظواهر. والطريقةھدفھا تصفية الضمائر. فيما الحقيقة تجسد شهود الحق في تجليات المظاهر. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أنتشهده. ومذهب التصوف يعتبر أن العمل إذا كان حده الجوارح الظاهرة يسمى مقام الإسلام، وإذا انتقل لتصفية البواطن بالرياضةوالمجاهدة يسمى مقام الإيمان، وإذا فتح على العبد بأسرار الحقيقة يُسمى مقام الإحسان. وهو منهج يسلكه العبد للوصول إلى الله، بمعرفته والعلم به، وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليتهبالأخلاق الحسنة.
وتعتبر الطريقة القادرية الشرقاوية تجسيدا عمليا وروحيا لهذا المنهج الذي يستمد أصوله وفروعه من القرآن والسنة النبوية واجتهاد العلماءفيما لم يرد فيه نص، فهو علم كعلم الفقه له مذاهبه ومدارسه ومجتهديه وأئمته الذين شيدوا أركانه وقواعده – كغيره من العلوم – جيلاً بعد جيلحتى جعلوه علما سموه بـ علم التصوف، وعلم التزكية، وعلم الأخلاق، وعلم السلوك، أو علم السالكين إلى الله، فألفوا فيه الكتب الكثيرة بينوافيها أصوله وفروعه وقواعده.
ومعنى التصوف الحقيقي لدى شيخ الزاوية سيدي كمال رزقي الشرقاوي أنه أصوله انبثقت في الصدر الأول من عصر الصحابة رضي اللهعنهم، فالخلفاء الأربعة كانوا صوفيين معنى، ويؤكد ومرجعه وسنده في ھذا كتاب حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الأصبهاني – أحد مشاهيرالمحدثين – فقد بدأ كتابه الحلية بصوفية الصحابة، ثم أتبعهم بصوفية التابعين، وهكذا.
ويضيف الشيخ الفقير إلى الله سيدي كمال رزقي الشرقاوي حركة التصوف انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعاتفردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة متنوعة معروفة باسم الطرق الصوفية. والتاريخالإسلامي زاخر بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل: الجنيد البغدادي، وسيدي أحمد الرفاعي، وسيدي عبد القادر الجيلاني،سيدي أحمدالبدوي، وسيدي أبو الحسن الشاذلي، شيخ الإسلام الغزالي، وسيدي العز بن عبد السلام.
وعند مجالسة شيخ الزاوية القادرية الشرقاوية تجده رجل مشغول بالله، يقضي حياته في صحبة مولاه. رجل تجرد عن شهواته وعن علاقاتهبنفسه وبالعالم حوله، ومن الطبيعي على من وصل إلى هذه المرتبة وتهيأت نفسه هذا التهيؤ الروحاني ألا يدخل إلى حياته المنعزلة عن مجرىالتجارب الإنسانية العادية إلا الأفكار والخواطر التي تتفق وهذه الحياة. بل هنالك ما هو فوق هذا وأعلى من هذا، وهو أنھ بفضل ما بلغه مندرجة الصفاء الروحي له قدرة على إدراك معاني الغيب والكشف الإلهامي عن حقائق الأشياء. أما الإتيان بالكرامات وخوارق العادات فمنالأمور التي يخفيھا ويحتفظ بھا لنفسه، ولا يخبر بھا من جالسھ، وصفوة القول فإن الرجل كمن قال فيھ أبو الفتح البستي رحمه الله:
صوفية
تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الصُّوفِيِّ وَاخْتَلَفُوا
وَظَنَّهُ الْبَعْضُ مُشْتَقًّا مِنَ الصُّوفِ
وَلَسْتُ أَمْنَحُ هَذَا الْاِسْمَ غَيْرَ فَتًى
صَفَا فَصُوفِيَ حَتَّى سُمِّيَ الصُّوفِي