بقلم : محمد القاسمي
الخبر الصاعقة الذي نزل على أهل فاس وجعل الناس تقلب كفا بكف وتَتوسد اليدين والرجلين محَلَّ الوسادة ، وكأن الفساد السياسي توغل و توحش في المدينة بحدٍّ لا يُطاق ، ففي كل مرة تنفجر ما صورة نتنة بالفساد، ويتم متابعة مسؤولا سياسيا من الناخبين الكبار بإحدىالجرائم المرتبطة بالغدر وهدر المال العام وإساءة استغلال سلطة والنفوذ، غير أن هذه المرة كانت الأعنف والخبر كان مدويا لأنه تعلق برأس المنتخبين وكبير الناخبين في فاس، إنه السيد العمدة الذي ظن الناس أنه به ستصلح فاس البد، غير أنه من يصلح الملح إذا ما الملح فسد،فقد تمت إدانته بفعلٍ يعد جناية، وهو الذي كان أهل المدينة يرجون منه الإصلاح فظهر منه الفساد، وكان المواطن بالمدينة يلتمس منه تدوير عجلة التنمية فإذا به يعرقلها.
إن متابعة مجموعة من المنتخبين الكبار في فاس بتهم تتعلق بالفساد السياسي في فترة وجيزة، يوحي بأن الظاهرة استفحلت وتفاقمت فيمنحى تصاعدي، وأن الساهرين على تنمية المدينة سعوا إلى تنمية مصالحهم الضيقة ونفخ حساباتهم البنكية، وأن آخر همهم هي الديار وأهلها. وربما ظن الناس أن هؤلاء المنتخبين الكبار وعلى رأسهم عمدة المدينة إلى مرحلة اللامبالاة، لكن الواقع أنهم تقدموا إلى حمل هذهالأمانة وهم غير مبالين بالمواطن الفاسي، وهذه الفضائح المتوالية تنبؤنا أننا نستنشق الفساد السياسي مع الهواء، وأننا لا نأمل خروج أملحقيقي من هذا المستنقع.
فالناس في ففاس كانت ترجوا الأمل من هؤلاء السياسيين الكبار والعمدة أولهم من أجل خلق تنمية حقيقية، وفتح أوراش، والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للتنمية، وإيجاد مناخ يجعل أهل فاس تتصالح مع مدينتها وتاريخها وتفخر بأمجاد عراقة ضاربة فيالتاريخ، لكن فضيحة الفساد السياسي كشفت أن هؤلاء قدموا لخدمة أنفسهم، وقد سببوا بفعلهم الغير أخلاقي هذا في هدر الزمن الجغرافي، ذلك أن المدينة عوض أن تحقق التنمية أهدر مالها ووقتها، فأصبحت الآن تساءل نفسها كيف ترجع فقط إلى الوضع الذي كانتفيه، وكأني بالسياسة كالخطيئة يخرج منها الفقير جشعا والغني وحشا والضحية مدينة بأكملها.
غير أن هدر الزمن عند أهل الفهم في فاس، يرمي باستفهامات العقل بعيدا، حيث أن هؤلاء المتابعين بشبهات الفساد السياسي والتي تعضدها حجج وبراهين قوية أهمها إدانة أغلبهم استئنافيا، ومع ذلك لا زالوا يقبعون على كراسي المسؤولية وعلى رأسهم العمدة، فثقة المواطن ستهتز في شخصه، لأنه مسؤول سياسي كبير والواجب والأصل فيه أن يكون فوق مستوى الشبهات الأخلاقية التي تثير الاستياء،فكيف بشبهات تسبب ضررا، وأن هذه الشبهات تحوم بسبب سوء استغلاله لهذا الكرسي، إن الأمر لا يستقيم عند الناس، فالواجب والمستساغ عقلا ومنطقا أن يتم إيقافهم من قبل السلطة الوصية إلى حين استكمال مسطرة متابعتهم القضائية، وهذا ينسجم مع مقتضيات القانون المعمول به في مواقف كثيرة ومشابهة ، باعتبار أن الفعل يشكل خطأ جسيم يوجب إيقافهم، وذلك لتحييدهم عن سلطة القرار منجهة، وحتى يطمئن الناس على تنمية جهتهم، وفي هذا تحقيق للأمن القضائي.
وأنا شخصيا لا أهتم بالسياسة بقدر اهتمامي بالعدالة، ذلك أن القضاء المستقل كان حازما، وسطر المتابعات وأصدر أحكاما هي عنوان للحقيقة، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الرقابة القضائية فعالة وقادرة على تحطيم أصنام الفساد أينما وجدوا، ذلك أن هؤلاء المتابعين منالفاسدين السياسيين الكبار أمام القضاء لهم قوة ونفوذ، وقد جيشوا الأزيز القهقاع والطنين والشحيج والقباع، غير أن ذلك لم يكن له أثر فياستقلال القضاء الذي يعتبر كالموت لا يرحم أحدا.
وهنا لا أرسم على الماء أو أسبح في الهواء، إذا قلت بأن السلطة الوصية المجسدة في السيد والي الجهة قد أخلص في العمل حتى نسي نفسه، وقف سدا منيعا أمام هذا التهور في التسيير، حيث قام بإزالة العديد من السدود التي حاول البعض وضعها في طريقه، وقفز علىالفخاخ التي نصبت معتقدا بروح المسؤولية التي كلف بها، وقد حارب فعليا مجموعة من الممارسات التي قام بها هؤلاء، ولولا تبصره ويقظتهلآت الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه. فالسلطة توقف بالسلطة كما قال الفيلسوف مونتيسكيو، فإذا كان العمدة ومن حوله قد أفسدوا السلطةالموكولة إليهم باستغلالها في غير محلها وإساءة استعملها، فإن سلطة والي الجهة الحسنة الاستعمال ستتدخل من أجل إيقافها.
إن أسوأ ما أنتجه العقل البشري هي الديموقراطية، ولكنها تبقى الممكن إذا قورنت بغيرها، والفساد السياسي يطول عمره كلما انسحبالشرفاء من الساحة، وآثروا السلامة وتخاذلوا، حيث يفتحون المجال للصغار التافهين الرعاع، لكن هذا الفساد يبقى وسيلة طبيعية لإعادة تجديد إيماننا بالديموقراطية، فمن سينقذ فاس الكئيبة في ظل ظروفها الحالية سوى السلطة الوصية التي تملك حق الأخذ بزمام المبادرة وذلك في شخص السيد الوالي ، الذي لا يختلف اثنان ولا يتناطح كبشان حول متابعته ومراقبته لكل صغيرة وكبيرة وذلك إلى جانب أجهزة الدولة الحريص على أمانها واستقرارها ، وشخصيا أتمنى الخير لفاس ، لأنها مديني الأولى التي تربيت بين أسوارها وأنا أجول وأول في شوارعها وأزقتها وأشمُّ رائحة الطيب الممزوجة بالأمل في تلكم المدينة التي قرأت عليها في سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس في ذكر مناقب من دفن بمدينة فاس ، فاس القرويين ، فاس المولى إدريس ، فاس الزوايا ، فاس التحرير ، فاس فكرة الاستقلال ، فاس التي عندما تتحرك يتحرك المغرب بكامله .