ما جرى اليوم في مجلس مدينة فاس لم يكن دورةً جماعية، بل فضيحة سياسية بكل المقاييس، حيث تحوّل المجلس إلى حلبة صراع عبثي على منصب النائب العاشر، وكأن الأمر يتعلق برئاسة الحكومة أو قيادة دولة عظمى، بينما تغرق المدينة في مشاكلها، ويتحول العمدة عبد السلام البقالي إلى دمية بلا حول ولا قوة، مجرد شاهد على مهازل فاقت كل التوقعات.
المسرحية التي عُرضت اليوم في مقر المجلس كشفت عن مدى الانحطاط السياسي الذي وصل إليه تسيير المدينة، حيث تنافست الأحزاب كما لو كانت تتصارع على منصب سيادي وليس مجرد نائب عاشر في مجلس محلي، الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي دخلا في سباق محموم، ومنسقو الأحزاب المحلية تحولوا إلى ناطقين باسم الأمناء العامين وكأن الرباط تدير اللعبة بالكامل، حتى إن بعضهم ادعى تلقي اتصالات مباشرة من قياداتهم المركزية لحسم هذا المنصب، وهو ما فجّر الخلافات وزاد من حدة الانقسامات داخل المجلس، لينتهي الأمر بتأجيل الحسم وسط أجواء فوضوية مهينة.
المفارقة الأكثر عبثية أن هذا الصراع لم يكن على مشروع تنموي أو قرار استراتيجي لصالح المدينة، بل على كرسي بلا قيمة حقيقية، حيث انشغل المستشارون بالمساومات والتربيطات، بينما بقيت قضايا المواطنين عالقة بلا حلول، لتتحول هذه الدورة إلى نموذج صارخ للسياسة الفارغة التي لا ترى في المسؤولية سوى فرصة للتموقع والاستفادة الشخصية.
وفي خضم هذا العبث، برز اسم فيصل اللبار، الذي يتحدث بثقة عن دعم الحكومة له، لكن ليس بلغة السياسة أو التنمية، بل بلغة الملاهي الليلية التي يديرها في فاس، وكأنه يفرض منطقه الخاص في المشهد، بينما وجد سعد أقصبي، الذي كان يعتقد أن الأغلبية تدعمه، نفسه محاصراً بين الضغوط والمساومات، ليكتشف أن التحالفات في هذا المجلس لا تُبنى على البرامج أو المبادئ، بل على المصالح والصفقات الخفية.
أما العمدة عبد السلام البقالي، فقد ظهر في أسوأ صوره، رجل بلا قرار، بلا سلطة، بلا هيبة، بقي وحيدًا في قاعة المجلس يتحدث إلى كراسي فارغة ويصرخ في الجدران كمن فقد عقله، في مشهد يعكس تمامًا حال هذا المجلس الذي لم يعد سوى تجمع عبثي لمستشارين يلهثون وراء المناصب، بينما مصالح فاس وسكانها آخر ما يفكرون فيه.
إن ما يجري داخل مجلس مدينة فاس ليس مجرد سوء تدبير، بل انهيار كامل لمنظومة التسيير المحلي، مجلس عاجز، عمدة بلا سلطة، ومستشارون يتصارعون على الفتات كما لو أنهم في سباق على قيادة البلاد، في وقت تحتاج فيه المدينة إلى حلول حقيقية لمشاكلها المتراكمة، فكيف يمكن لمجلس كهذا أن يقود فاس نحو التنمية، وهو غارق في الفوضى والمساومات؟
مجلس فاس أصبح عنوانًا للفشل، وصراعه على منصب النائب العاشر مجرد دليل إضافي على أن هذه المؤسسة لم تعد تمثل الساكنة، بل تحولت إلى ساحة معركة بين مصالح ضيقة، حيث لا مكان للكفاءة أو لخدمة المدينة، بل لمن يملك النفوذ والعلاقات، في مشهد مخزٍ سيظل وصمة عار في تاريخ تسيير العاصمة العلمية للمملكة.