خرج الشيخ مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى، في خضم الجدل الدائر حول شعيرة الأضحية، بموقف حاسم يضع النقاش في إطاره الصحيح، محذرًا من استيراد الفتاوى دون مراعاة خصوصيات الواقع المغربي. ففي كلمته بمسجد الإصلاح، أكد بنحمزة أن الفتوى ليست مجرد نص جامد يُنقل عبر الأزمان، بل اجتهاد حيٌّ يأخذ بعين الاعتبار متغيرات المجتمع وظروفه الاقتصادية والاجتماعية، مستشهدًا بالمبدأ الفقهي “لا يُفتى ومالك في المدينة”، الذي يعكس أهمية صدور الأحكام من أهل الدراية بواقعهم.
وانتقد الشيخ بشدة فوضى الفتاوى التي تغزو الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي، معتبرًا أن الإفتاء مسؤولية ثقيلة لا يجوز أن تُترك لمن لا يملك العلم العميق بالشرع وإدراك الواقع. فالقرارات الشرعية، كما يوضح، ليست شعارات تُرفع لإثارة الجدل، بل تحتاج إلى توازن دقيق بين النصوص والمصالح العامة، وهو ما تجاهله كثيرون ممن يسارعون إلى تقديم الفتاوى دون وعي بحقائق الأمور.
وأشار بنحمزة إلى أن التاريخ الإسلامي شهد مواقف عديدة تم فيها اتخاذ قرارات تتعلق بالشعائر الدينية وفق مقتضيات المصلحة، مثل منع الحج في بعض الفترات بسبب الأوبئة.
فالأضحية، وإن كانت سنة مؤكدة، تظل شعيرة يمكن للدولة تنظيمها بما يحقق الاستقرار ويحمي الفئات الهشة من الضغوط الاقتصادية، وهو ما لا يتناقض مع روح الشريعة، بل يؤكد مرونتها وقدرتها على التكيف مع الأوضاع.
وفي ظل هذه المعطيات، شدد بنحمزة على ضرورة إعادة الثقة في العلماء المؤهلين، بدل اللجوء إلى الأصوات التي تبحث عن الإثارة الإعلامية. فالنقاش الفقهي، كما يؤكد، لا ينبغي أن يتحول إلى معركة عبثية بين من يتمسكون بالنصوص دون وعي بالواقع، ومن يسعون إلى إلغائها دون فهم لحكمتها.
فحين تتداخل السياسة الشرعية مع الفقه، يصبح من الواجب التمييز بين الحكم الفقهي العام والقرار المستند إلى مصلحة المجتمع، وإلا فإن الفوضى ستعم، وسيتحول الدين من مصدر استقرار إلى ساحة صراع لا طائل منه.
تحرير:سلمى القندوسي