قضت محكمة باريس الجنائية أمس الجمعة 8 مارس 2025، في محاكمة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، بحبس الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الداخلية الفرنسية، برنارد سكارسيني، لمدة أربع سنوات، منها سنتان مع وقف التنفيذ، على خلفية استغلال نفوذه لتحقيق مكاسب شخصية. وجاء الحكم ليؤكد ما وصفه الادعاء بـ”تجاوزات خطيرة” ارتكبها سكارسيني، المعروف بلقب “لو سكوال” (القرش)، خلال فترة عمله في الاستخبارات وانتقاله لاحقًا إلى القطاع الخاص.
من أقوى أجهزة الاستخبارات إلى قفص الاتهام
يعود أصل القضية إلى الفترة بين عامي 2008 و2012، عندما كان سكارسيني على رأس جهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسية. وخلال تلك السنوات، كشفت التحقيقات أنه قام بتوظيف موارد الدولة لمصلحة شركة إل في إم أش، عملاق السلع الفاخرة المملوك للملياردير الفرنسي برنارد أرنو، أغنى رجل في فرنسا. فقد أقدم عناصر من الاستخبارات على تعقب وفضح هوية شخص كان يبتز أرنو، في تصرف وصفه الادعاء بأنه استغلال للنفوذ وانحراف بمهام الدولة لصالح مصالح خاصة.
لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. فبعد مغادرته المنصب، استمر سكارسيني في استغلال خبراته وعلاقاته داخل أجهزة الأمن، حيث قدم خدمات استشارية سرية لصالح “إل في إم أش” بين عامي 2013 و2016. كما تورط في مراقبة الصحافي والنائب اليساري البارز فرنسوا روفين وصحيفته اليسارية “فقير”، في خطوة وُصفت بأنها اعتداء سافر على حرية الصحافة.
محاكمة مثيرة وشهادة الملياردير
جرت المحاكمة وسط اهتمام إعلامي كبير، خصوصًا بعد استدعاء برنارد أرنو للإدلاء بشهادته. ورغم أن اسمه ارتبط بالقضية، إلا أنه نفى علمه بأي مخطط لحماية مجموعته الفاخرة من خلال وسائل غير قانونية. وقال أرنو أمام المحكمة في نوفمبر الماضي: “أنا هنا كشاهد فقط. لم أكن على علم بأي من هذه الممارسات.” ولم يتم توجيه أي تهم إليه، مما أثار تساؤلات حول مدى تورطه الحقيقي.
حكم بلا سجن فعلي
ورغم صدور حكم بالسجن لمدة أربع سنوات، فإن سكارسيني، الذي يبلغ من العمر 69 عامًا، لن يقضي العقوبة خلف القضبان، إذ سيتم الاكتفاء بوضعه تحت المراقبة الإلكترونية لمدة عامين، وفقًا لما هو شائع في فرنسا للأحكام القصيرة. بالإضافة إلى ذلك، فرضت عليه المحكمة غرامة مالية قدرها 200 ألف يورو ومنعته من العمل في أي مجال يتعلق بالاستخبارات أو الاستشارات الأمنية لمدة خمس سنوات.
نهاية غير متوقعة لمسيرة استخباراتية حافلة
كان برنارد سكارسيني ذات يوم أحد أبرز رجال الاستخبارات في فرنسا، لكنه اليوم يجد نفسه في قلب فضيحة كشفت عن التداخل الخطير بين السلطة والأعمال، وألقت الضوء على كيف يمكن لاستغلال النفوذ أن يتجاوز حدود الدولة ليصب في مصلحة نخبة المال والأعمال. ومع إعلان دفاعه نيته استئناف الحكم، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه النهاية الحقيقية لقصة “القرش”؟ أم أن المعركة القضائية ما زالت في بدايتها؟
تحرير:سلمى القندوسي