شهدت سنة 2023 انخفاضًا ملحوظًا في معدل الاعتقال الاحتياطي، حيث تراجع إلى 37.56% من مجموع الساكنة السجنية، وذلك بفضل الجهود المتواصلة التي تبذلها رئاسة النيابة العامة بالتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وقد كان لهذا التراجع أثر إيجابي في ترشيد الاعتقال الاحتياطي وضبطه، خاصة بعد اعتماد دورية مشتركة في يونيو 2023، أسفرت عن تشكيل خلايا محلية وجهوية ومركزية لمتابعة هذا الملف، مما أدى إلى تحقيق نتائج ملموسة.
ورغم هذا التقدم، إلا أن الساكنة السجنية تجاوزت عتبة 100 ألف سجين خلال غشت 2023، مما استدعى تدخلاً سريعًا من الجهات المعنية لمعالجة الاكتظاظ داخل السجون. وتم عقد اجتماعات متكررة مع مختلف القطاعات لدراسة الحلول الممكنة والحد من الضغط المتزايد على المؤسسات السجنية.
الإكراه البدني والإجراءات المقيدة للحرية: إصلاحات جوهرية
واصلت النيابات العامة جهودها في تدبير ملفات الإكراه البدني، حيث تم معالجة 40,115 ملفًا خلال سنة 2023، أسفر عن إلغاء 9,066 أمرًا بالاعتقال بسبب التقادم أو عدم استيفاء الشروط القانونية. كما قامت النيابات العامة بمراجعة 58,306 ملفًا متعلقًا بالعقوبات السالبة للحرية النافذة، مما أدى إلى إلغاء 15,555 برقية بحث بسبب التقادم و21,606 برقية بحث لأسباب أخرى، مما يعكس تطورًا مهمًا في ترشيد استخدام العقوبات السجنية.
حقوق الإنسان وحماية المعتقلين: تعزيز الرقابة والوقاية
في إطار تعزيز حقوق الإنسان، تعاملت النيابات العامة بصرامة مع ادعاءات التعذيب والعنف وسوء المعاملة، حيث تلقت 187 شكاية بالعنف، و84 شكاية بسوء المعاملة، و13 شكاية بالتعذيب. كما تم تسجيل 27 شكاية حول الاعتقال التعسفي، فيما أمرت النيابات العامة بإجراء 300 فحص طبي للموقوفين عند تقديمهم أمامها.
وحرصًا على حماية السجناء والموقوفين، ارتفعت زيارات النيابات العامة لأماكن الاعتقال، حيث تم تنفيذ 22,032 زيارة لمراكز الحراسة النظرية، و1,058 زيارة للسجون، و198 زيارة لمؤسسات علاج الأمراض النفسية والعقلية، و76 زيارة لمراكز حماية الطفولة، مما يؤكد نهجًا رقابيًا صارمًا لمنع أي انتهاكات لحقوق المحتجزين.
ارتفاع قضايا العنف ضد النساء والأطفال رغم الجهود المبذولة
سجلت قضايا العنف ضد النساء ارتفاعًا بـ1,134 قضية جديدة مقارنة بعام 2022، حيث انتقلت من 28,816 إلى 29,950 قضية خلال سنة 2023. كما شهدت الجرائم المرتكبة ضد الأطفال زيادة مقلقة، حيث تم تسجيل 9,106 قضايا، تورط فيها 9,624 شخصًا، بينما ارتفع عدد الأطفال الضحايا من 8,159 في 2022 إلى 9,357 في 2023.
وفي سياق معالجة قضايا الأحداث في نزاع مع القانون، تم اتخاذ 44,434 تدبيرًا لصالحهم خلال 2023، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة تعكس تزايد التركيز على النهج الإصلاحي بدل العقوبات السالبة للحرية.
الجرائم المالية والاتجار بالبشر: ارتفاع في القضايا وتشديد المتابعات
شهدت قضايا الاتجار بالبشر ارتفاعًا بنسبة 23.64%، حيث سجلت 110 قضايا مقابل 84 قضية في 2022، فيما بلغ عدد المتابعين في هذه القضايا 171 شخصًا، بزيادة 10.53% عن السنة السابقة.
أما فيما يتعلق بالجرائم المالية، فقد ارتفع عدد القضايا أمام أقسام الجرائم المالية بنسبة 32% ليصل إلى 948 قضية، مما يعكس تكثيف الجهود لمكافحة الفساد المالي. كما شهدت قضايا غسل الأموال طفرة نوعية، حيث صدر 134 حكمًا في 2023 مقارنة بـ85 حكمًا في 2022، في مؤشر على تعزيز المتابعات القضائية ضد الجرائم المالية.
تعزيز الشفافية عبر الخط المباشر لمحاربة الرشوة
منذ إطلاقه عام 2018 وحتى نهاية 2023، تلقى الخط المباشر للتبليغ عن الرشوة 77,507 مكالمة، أسفرت عن ضبط 299 حالة تلبس بجريمة الرشوة، مما ساهم في تعزيز جهود مكافحة الفساد وترسيخ الشفافية في الحياة العامة.
الجرائم الإرهابية والأمن العام: أرقام مقلقة وتحديات مستمرة
سجلت 123 قضية إرهابية خلال 2023، تورط فيها 119 شخصًا، في حين بلغت الجرائم الماسة بالأمن والنظام العام 73,130 قضية شملت 854,042 متهمًا. كما تم تسجيل 146,568 قضية ضد الأشخاص، و72,554 قضية ضد الأموال، و24,761 قضية تتعلق بالأخلاق العامة، إضافة إلى 9,072 قضية تزوير وتزييف.
خاتمة: خطوات جريئة لكن التحديات مستمرة
يكشف تقرير رئاسة النيابة العامة لعام 2023 عن تحولات إيجابية في تقليص معدل الاعتقال الاحتياطي، وتعزيز الرقابة على أماكن الاحتجاز، وتوسيع نطاق الحماية للنساء والأطفال. ومع ذلك، فإن التحديات ما زالت قائمة، خاصة في ظل الارتفاع المستمر في عدد القضايا، مما يتطلب جهودًا مضاعفة لتعزيز العدالة والحد من الاكتظاظ السجني، وضمان احترام حقوق الإنسان، مع الاستمرار في التصدي لجرائم الفساد والإرهاب والاتجار بالبشر.
تحرير:سلمى القندوسي