يواصل قطاع ريادة الأعمال في المغرب تحقيق أداء إيجابي، حيث شهدت سنة 2024 إحداث 95,256 مقاولة جديدة، وفقًا لبيانات المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية. هذا الرقم يعكس الدينامية المتزايدة للمشهد الاقتصادي المغربي رغم التحديات المالية والإدارية التي تواجه المستثمرين، ما يشير إلى بيئة خصبة لنمو المشاريع في مختلف القطاعات.
قطاعات واعدة ومحركات للنمو
يعكس توزيع المقاولات الجديدة توجهات السوق والاستثمارات، حيث استحوذ القطاع التجاري على الحصة الأكبر، يليه قطاع البناء والأشغال العمومية، ثم الخدمات المتنوعة. كما سجلت قطاعات أخرى مثل النقل، الصناعة، الفندقة، المطاعم، وتكنولوجيا المعلومات إقبالًا متزايدًا، مما يبرز تنوع الفرص الاستثمارية في المملكة.
الخبير في التخطيط الاستراتيجي، أمين سامي، أكد أن هذا النمو في عدد المقاولات سيكون له انعكاسات إيجابية على سوق التشغيل، خاصة في ظل المشاريع الكبرى التي أطلقها المغرب استعدادًا لـ كأس العالم 2030، والتي تشمل تطوير البنية التحتية، المرافق الرياضية، والرقمنة. ويتوقع أن تسهم هذه الدينامية في خلق عشرات الآلاف من فرص العمل، خصوصًا في القطاعات الإنتاجية والخدماتية، مع الإشارة إلى أن المقاولات الصغيرة والمتوسطة تستوعب حوالي 70% من اليد العاملة في القطاع الخاص.
التحديات التي تواجه المقاولات المغربية
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، فإن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لعام 2023 أشار إلى ارتفاع معدلات إفلاس المقاولات بنسبة 15% مقارنة بسنة 2021، وهو ما يستدعي حلولًا استراتيجية لضمان استمرارية هذه المقاولات وتعزيز تنافسيتها.
1. صعوبة الولوج إلى التمويل
تواجه العديد من المقاولات الصغيرة والمتوسطة تحديات كبيرة في الحصول على التمويلات اللازمة، مما يفرض تطوير آليات تمويل بديلة مثل تمويل الجماعي والقروض المبتكرة، إلى جانب تعزيز الدعم الحكومي للشركات الناشئة.
2. تعقيد المساطر الإدارية
البيروقراطية تبقى عائقًا أمام المقاولين، حيث تؤثر الإجراءات الطويلة والمعقدة على سرعة تأسيس الشركات وتسيير أعمالها اليومية. ويعتبر تبسيط المساطر ورقمنتها من الحلول الفعالة لتحفيز الاستثمار وتسريع عملية إنشاء المقاولات.
3. المنافسة وضعف التنافسية
المنافسة الشرسة من الفاعلين المحليين والدوليين تشكل تحديًا للمقاولات المغربية، ما يستوجب تعزيز جودة المنتجات المغربية، دعم الابتكار، وتطوير اقتصاد المنصات لتتماشى مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة.
نحو نموذج اقتصادي جديد: الاقتصاد المترابط 4.0
يرى أمين سامي أن الحلول المستقبلية تكمن في تبني نموذج اقتصادي جديد يجمع بين الرقمنة، الاستدامة، والتضامن، عبر ما يعرف بـ “الاقتصاد المترابط 4.0″، الذي يرتكز على التكامل بين التكنولوجيا المتقدمة والاستدامة البيئية لتحقيق عدالة اجتماعية واقتصادية.
كما أن تشجيع الابتكار والبحث العلمي يمكن أن يكون عاملًا أساسيًا لدعم المقاولات الناشئة، وتحفيز بيئة الأعمال المحلية، مما يعزز الإنتاجية والتنافسية على الصعيدين الوطني والدولي.
خاتمة: المغرب في مسار التحول الاقتصادي
رغم التحديات المستمرة، فإن المؤشرات الإيجابية في نمو عدد المقاولات تؤكد أن المغرب يسير في اتجاه تعزيز ريادة الأعمال وخلق بيئة استثمارية أكثر جاذبية. ومع استمرار العمل على إصلاحات تمويلية، إدارية، وتشجيع الابتكار، يمكن للمقاولات المغربية أن تصبح قاطرة أساسية للنمو الاقتصادي، ودعامة رئيسية لسوق الشغل في السنوات المقبلة.
تحرير:سلمى القندوسي