قسم الجرائم الإلكترونية بولاية أمن فاس عنوان للتفاني والتخصص في ميدان شائك ومعقّد يشهد تطوراً يومياً ومتسارعاً في وسائله وأساليبه، حيث تُعنى هذه المصلحة الأمنية الحيوية برصد وتتبع كل الجرائم المرتكبة بواسطة الوسائط الرقمية، سواء تعلّق الأمر بالتشهير أو الابتزاز أو المس بالحياة الخاصة أو التهديد أو القرصنة المعلوماتية، في التزام صارم بتوجيهات المديرية العامة للأمن الوطني التي دعت منذ سنة 2015 إلى إحداث خلايا متخصصة في محاربة الجريمة الإلكترونية داخل الولايات الأمنية، بهدف إرساء منظومة استباقية تدمج التحليل الرقمي بالتنسيق القضائي الفوري
مصلحة الجرائم المعلوماتية بفاس التي تعمل بتنسيق دائم مع النيابة العامة المختصة بمحكمة الاستئناف، كرّست موقعها كمركز متقدّم في ميدان مواجهة الجريمة الرقمية، حيث راكمت تجارب مهنية دقيقة، استطاعت من خلالها الإسهام في تفكيك شبكات إلكترونية متعددة وتقديم المتورطين إلى العدالة، وفقاً لمقتضيات الفصل 447-1 إلى 447-3 من مجموعة القانون الجنائي، والتي تجرّم نشر الصور أو تسجيلات صوتية أو مرئية لأشخاص دون موافقتهم، وتُعاقب كل من قام بتوزيعها أو عرضها أو إرسالها دون إذن أصحابها، كما تستند تدخلات القسم كذلك إلى القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، والذي يتيح تتبع الأدلة الرقمية وفق شروط قانونية دقيقة ومضبوطة
الخصوصية التي تميز قسم الجرائم الإلكترونية بفاس تكمن في توازنه بين البعد التقني الصرف وبين الحس الإنساني العالي، إذ لا تكتفي المصلحة بتتبع الآثار الرقمية للمشتبه فيهم، بل تعمل على الإنصات للضحايا، خصوصاً في قضايا الابتزاز الرقمي المرتبط بالعلاقات الشخصية أو الاستغلال الجنسي، ويتم ذلك داخل فضاءات تراعي الخصوصية النفسية والاجتماعية، وفي انسجام مع دورية رئاسة النيابة العامة عدد 20/2021 التي تدعو إلى ضرورة حماية ضحايا الجرائم الإلكترونية، لا سيما النساء والأطفال، وتيسير ولوجهم إلى العدالة الجنائية
القسم يشتغل في إطار هندسة أمنية محكمة، ترتكز على خلية مركزية مدعومة بفريق تقني مختص في تحليل المعطيات الرقمية، وتتبع مصدر الصور أو التسجيلات المسربة، واسترجاع المحتوى المحذوف، إضافة إلى تفعيل آليات الحجب المؤقت للمواقع والحسابات المتورطة، كل ذلك يتم تحت مراقبة مباشرة من النيابة العامة وفقاً لمقتضيات المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، التي تتيح تتبع الاتصالات والمراسلات الإلكترونية بإذن قضائي، وبضمانات قانونية تحترم الحقوق الفردية والحريات
قسم الجرائم الإلكترونية بفاس لم يتوقف عند الجانب الزجري، بل انخرط في بعد وقائي مواكب لتحولات المدينة الرقمية، من خلال تنظيم لقاءات تحسيسية لفائدة التلاميذ والطلبة، وورشات توعية لفائدة الجمعيات وأطر المؤسسات التعليمية، في تفعيل واضح لتوجيهات المديرية العامة للأمن الوطني بضرورة إشراك المجتمع المدني في محاربة الظواهر المستجدة، والرفع من منسوب الوعي الرقمي لدى الفئات الهشة المستهدفة عادة من شبكات النصب الإلكتروني
وإذ يواصل قسم الجرائم الإلكترونية بفاس أداء مهامه بفعالية واحترافية، فإن من واجب وسائل الإعلام الوطنية والجهوية، والصحف الإلكترونية، ومكونات المجتمع المدني، أن تتحمّل مسؤوليتها المهنية والأخلاقية في إبراز هذا الجهد النوعي الذي يبذله الأمن الوطني في صون الفضاء الرقمي، وتنوير الرأي العام بأهمية ما تقوم به مصلحة متخصصة تشتغل في صمت لحماية كرامة الناس وأمنهم الرقمي، ذلك أن تعزيز ثقة المواطن في مؤسساته لا يتحقق فقط بالفعل الأمني، بل أيضاً من خلال التغطية الصادقة، والمتابعة الإعلامية النزيهة، والانخراط المجتمعي المسؤول في الدفاع عن منطق دولة الحق والقانون
الملفات التي عالجها القسم تعكس حجم التحدي وتعقيد المعطيات، من بينها قضايا تمسّ الحياة الخاصة لأسر، وملفات ابتزاز عبر مواقع التعارف، وقضايا قرصنة لحسابات بنكية إلكترونية، وأخرى ترتبط بالحملات المغرضة التي تستهدف مؤسسات عمومية أو شخصيات مدنية، حيث يتم تفعيل المساطر القانونية فور تلقي الشكايات، وتحديد هوية الفاعل مهما تنوعت حيله أو حاول التخفي خلف التطبيقات المشفرة أو السيرفرات الأجنبية، مستفيدين من شراكات تقنية مع مختبرات وطنية في الأمن السيبراني
فاس اليوم تقدم نموذجاً أمنياً متقدماً في مكافحة الجريمة الرقمية، نموذج يتجاوز ردود الأفعال إلى مبادرات الفعل الاستباقي، ويجسّد تحوّلاً نوعياً في فلسفة الأمن العمومي، عبر الاستثمار في الكفاءات الشابة، والتكوين المستمر، والتقاطع مع النيابة العامة في كل خطوة، ما يجعل من تجربة قسم الجرائم الإلكترونية بولاية أمن فاس مرجعية وطنية يُحتذى بها
قسم لا يشتغل تحت أضواء الإعلام، بل يشتغل بنور المصداقية، ومصباح القانون، وبوصلة الوطن