القاسمي يكتب : محاولات إشعال الفتنة وتجييش الشارع خطرٌ يهدد أمن واستقرار المغرب

22 أبريل 2025Last Update :
القاسمي يكتب : محاولات إشعال الفتنة وتجييش الشارع خطرٌ يهدد أمن واستقرار المغرب

 

بقلم : محمد القاسمي

 

للأسف أضحت كل المحاولات الرامية إلى إشعال نار الفتنة من خلال التلاعب بالعواطف تصرفات متواترة تعيد إنتاج نفس الطريقة وإن بأساليب مختلفة، ذلك أن جهات معينة ترمي بكل مزاج سيء وقلب فاسد إلى تقسيم وحدة الشعب المغربي وتمزيق لحمته الوطنية.

 

إن تغذية الحقد والكراهية في نفوس عدد من المواطنين، عبر زرع الأخبار الزائفة، وتضخيم الاحتجاجات عبر التعبئة، وافتعال قضايا وهمية من أجل العزف على أوتار النعرات هي أمور تهدف إلى الضرب في أمن الوطن واستقراره،

 

هذا المخطط الخبيث قد تجلى في واقعة السفينة المزعومة التي قيل إنها تحمل أسلحة موجهة إلى إسرائيل، ما أثار موجة من الاحتجاجات الشعبية في الموانئ المغربية، وخلق حالة من التوتر غير المبرر في أوساط الرأي العام، وأصبح الحديث عن هذه السفينة مصدرًا لحملات إعلامية مغرضة غطّت المشهد، وكان الهدف منها تأجيج الأوضاع الداخلية في وقت حساس،

 

وفي سياق هذا الفخ المسموم، يجد المرء نفسه مضطرًا للتوقف والتأمل في عمق هذه المحاولات، فهذه الأعمال ما هي إلا استغلال رخيص لحالة الاضطراب النفسي والاجتماعي التي يعيشها البعض، محاولات للتجييش والضغط على الشارع المغربي من خلال إثارة الفوضى باسم الوطن، وباسم القيم الكبرى التي يتم ترويجها كذريعة لتحقيق أجندات سياسية خفية،

 

إن التأجيج الإعلامي المتعمد، كما حدث مع قناة الجزيرة التي اختارت تغطية الإشاعات دون التحقق من صحة الوقائع، يعكس نزعة سلبية تسعى إلى ضرب التماسك الوطني، إذ إن تلك التغطية الإعلامية تفتقر إلى جوهر المصداقية والموضوعية، في هذا السياق، ينطبق قول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، الذي أكد أن “الإنسان لا يمكن أن يتعامل مع الحقيقة إلا إذا كان عقله خاليًا من الأيديولوجيات المسبقة”، فحجب الحقيقة وتضليل الجمهور عبر الصور النمطية والإشاعات هو انتهاك صارخ للمبادئ الإنسانية التي يجب أن تحكم الإعلام في مختلف أنحاء العالم،

 

وفيما يتعلق بالموقف الملكي الحازم، فإن هذا الموقف الذي يتسم بالحكمة والتبصر يُعد بمثابة الضوء الذي ينير الطريق وسط العواصف، فالدولة المغربية، تحت قيادة الملك محمد السادس، تبني سياستها الخارجية على أسس متينة من الحكمة، والدبلوماسية، والعقلانية، مسترشدةً بالآية الكريمة، “وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا”، (طه: 114)، فقد أظهرت المملكة مرونة شديدة في التعامل مع ملفات حساسة، كما في مسألة العلاقات مع الجزائر، حيث رغم الصراع المستمر لعقود، فإن المغرب أبدى استعدادًا للتفاوض وجلسات الحوار في سبيل إحلال السلام والاستقرار،

 

وتعزيزًا لهذا الموقف، جاءت زيارة المفتش العام للقوات المسلحة الملكية إلى قطر، وهي زيارة لا تقتصر فقط على جوانب عسكرية، بل تحمل في طياتها رسالة دبلوماسية واضحة، تكشف عن قدرة المملكة على التعامل بحكمة مع مختلف الملفات، دون الانزلاق في الفخاخ الإعلامية أو الانفعالات السطحية، الملك محمد السادس، الذي أكد مرارًا في خطاباته أهمية بناء علاقات مع جميع الدول على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، استجاب بحنكة لالتزاماته الدولية في وقت كانت فيه بعض الأطراف تحاول استغلال الفوضى الإعلامية للإساءة إلى سمعة المغرب، إن هذه الزيارة الملكية، مع براءتها الظاهرة من أي توتر، تحمل إشارات مباشرة لمقدرة المغرب على تذويب الخلافات والاحتكام إلى الحوار الفعال، بعيدًا عن لغة الاستفزاز والصراع،

 

كما أن تأكيد شركة “ميرسك” على نفي جميع الادعاءات المتعلقة بتورطها في نقل أسلحة إلى إسرائيل هو بمثابة تصحيح للخطاب الإعلامي الذي انحرف عن جادة الصواب، وهو تذكير مهم لأهمية التحقق من الحقائق قبل نشرها في وسائل الإعلام، التي لا يجوز لها أن تكون أداة لإشعال الفتن بين الشعوب، إن مثل هذه التصرفات لا تقتصر على ضرر العلاقات الدولية فحسب، بل تشكل تهديدًا للنسيج الاجتماعي داخل البلاد، الذي لا ينبغي لأي طرف أن يعبث به في سبيل تحقيق مآرب ضيقة،

 

فمن واجبنا جميعًا أن نكون حريصين في التعامل مع الحقيقة، وألا نسمح لأي كان بتوظيف أوجاعنا ومشاعرنا في تجاذبات سياسية تخدم أجندات قد تتناقض مع مصلحة الوطن،

 

وفي هذا السياق، يظهر الدور السوسيولوجي الكبير للمجتمع المغربي في مواجهة هذه المحاولات الخبيثة، فالمجتمع المغربي، الذي يمتاز بتنوعه الثقافي واللغوي، والذي يعكس تلاحمًا بين مكوناته المختلفة، أثبت مرارًا أنه قادر على الحفاظ على وحدته في ظل الأزمات، إن أي محاولة للتقسيم بين مكونات هذا المجتمع عبر الإعلام المغرض هي بمثابة العبث بمقدرات الشعب، الذي ظل دائمًا متحدًا خلف قيادته الحكيمة في مواجهة كل أنواع التحديات،

 

إن الشعب المغربي، مثلما يظهر في العديد من المناسبات الوطنية، يثبت يومًا بعد يوم أنه لا يمكن لأية قوة أن تزعزع وحدته إذا ما التزم الجميع بروح المواطنة والعدالة،

 

إن الانزلاق وراء الأكاذيب، والمساهمة في نشر الإشاعات، لهو فعل يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويدفع المجتمع إلى الفوضى، لكن، كما قال الإمام الشافعي، “إن الله لا يصلح عملًا إلا بالصدق، ولا يصلح حالًا إلا بالإخلاص”، ومن خلال إظهار النية الصافية في التعامل مع القضايا الوطنية والإعلامية، يثبت المغاربة أنهم أصحاب قضية نبيلة، يسعون وراء العدالة والسلام، بعيدًا عن النزاعات المفتعلة،

 

إزاء هذه المحاولات التي تكتنفها الألاعيب السياسية والإعلامية، يجب على الجميع أن يتذكروا أن المملكة المغربية تظل ثابتة على مواقفها، وتعمل من أجل الاستقرار والسلام الداخلي، لأن “الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها”، وكلما تكاتف الشعب المغربي مع قيادته، فإن وطنه سيظل في مصاف الأمم القوية، القادرة على التأثير إيجابًا في محيطها الإقليمي والدولي،

اترك رد

Breaking News