
بقلم: محمد التفراوتي – ناشط بيئي
من عمق الأطلس الصغير، وتحديداً من مجال أركان، يوجه الناشط البيئي محمد التفراوتي رسالة الى السيظ عزيز اخنوش رئيس الحكومة، ليس فقط للحديث عن مشروع “المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير الغربي”، بل لطرح إشكالية أوسع تتعلق بمنهجية تدبير الدولة لملفات التنمية البيئية، خاصة حين تصطدم باحتجاجات أو سوء تواصل مع الساكنة.
ففي الوقت الذي تم فيه الإعلان، ضمن العدد الأخير من الجريدة الرسمية، عن ثمانية مراسيم لإحداث ستة منتزهات طبيعية ومحميتين بيئيتين، لم يرد أي ذكر لمشروع المنتزه الطبيعي الذي كان مقرراً بمنطقة اشتوكة وتزنيت، رغم خضوعه مسبقاً لإجراء البحث العلني منذ دجنبر 2023. هذا الغياب يثير أكثر من علامة استفهام، ويُقرأ من طرف المتتبعين كتراجع فعلي عن المشروع استجابة للاعتراضات المحلية.
لكن هل التراجع هو الحل؟ وهل هذا المنتزه كان فعلاً مشكلاً أم فرصة مهدورة؟
واضاف التفراوتي في مضمومن رسالته المثير في هذا المشروع، أنه كان بإمكانه أن يتحول إلى رافعة تنموية بيئية واجتماعية، لولا أن اختار القائمون عليه الصمت بدل الحوار، والتراجع بدل الإقناع. فبدلاً من بناء الثقة مع الساكنة، وتصحيح الإشكاليات العقارية المزمنة في المنطقة، تم تفويت فرصة تحويل الاحتجاج إلى مناسبة للحوار والتشارك.
لقد أصبح التراجع أمام كل رفض محلي بمثابة “سياسة رسمية”، دون أي مجهود يُذكر لفهم أسباب الاعتراض أو تكييف المشاريع مع الواقع المحلي، في إطار مقاربة “رابح/رابح”.
واشار محمد الناشط البئي الا ان المعضلة الجوهرية لا تتعلق بطبيعة المنتزه في حد ذاته، بل بالسياق العقاري الهش الذي يعيش فيه سكان الأطلس الصغير. فالأراضي هناك غير محفظة، وتُستغل تاريخياً وفق أعراف راسخة، ما يجعل أي مشروع فوقي بدون تمليك أو تحفيظ مجرد تهديد لحقوق الاستغلال التاريخي، وليس ضمانة لحماية البيئة.
وإشارة في رسالته إلى أن الظهير الاستعماري لسنة 1925، الذي ميز مجال أركان عن باقي الغابات، واعتبر الاستغلال المحلي حقاً معترفاً به، ما يُحتم على الدولة اليوم تجديد هذا الاعتراف بقوانين حديثة تحمي الحقوق وتضمن الاستدامة.
واكد محمد التفراوتي ان القيادة لا تقاس بعدد المشاريع المعلنة، بل بمدى قدرتها على تدبير الأزمات وتحويل الصراع إلى توافق. ما نعيشه اليوم في مجال أركان يمثل لحظة حاسمة: إما أن نستمر في سياسة الانسحاب أمام الرفض، أو أن نبني سياسة بيئية وتنموية حقيقية، تبدأ من الاعتراف بالحقوق التاريخية وتنتهي بشراكة عادلة.
ولتحقيق ذلك، نطالب بقرارات شجاعة تتجسد في:
- تمليك الأراضي لأصحابها وفق العرف والتاريخ.
- إطلاق ورش تحفيظ جماعي ومجاني لكل الدواوير المتضررة.
- سن قانون خاص بمناطق أركان يميزها عن باقي الغابات.
- إرساء حوار شفاف ومؤسساتي مع السكان، والمجتمع المدني، والمنتخبين.
- إعادة إطلاق المشاريع وفق تعاقدات عادلة تحترم الإنسان قبل المجال.
واكد رسالته الا ان تنمية بيئية بدون شراكة حقيقية مع الساكنة. ولا يمكن أن تستقيم هذه الشراكة في ظل منطق الإقصاء أو التدبير الفوقي. فكل مشروع ينهار أمام أول اعتراض، يخلق مناخاً من انعدام الثقة ويُهدر فرص الإصلاح.
لقد أبانت ساكنة الأطلس الصغير، رغم التهميش، عن وعي بيئي واستعداد للانخراط، شرط أن يتم احترامهم كشركاء وأصحاب حق، لا كمشتبه فيهم أو عوائق أمام التنمية.
المنتزه لم يكن تهديداً، بل فرصة. لكن التراجع عنه، دون تفسير أو بدائل، هو التهديد الحقيقي للتنمية، ولصورة الدولة، ولمستقبل مجال أركان.
ا
واشار الا إن عدم إدراج المنتزه في المراسيم الأخيرة ليس مجرد تفصيل إداري، بل رسالة سياسية مقلقة. رسالة تؤكد استمرار منطق الإلغاء بدل الحل، والتراجع بدل الإصلاح، وتهدد بتحويل مناطق الهامش إلى فضاءات مغلقة في وجه الأمل.
فلنُؤسس معاً لنموذج جديد في التعامل مع مجالات الهامش: نموذج قوامه الاعتراف، الحوار، والعدالة البيئية. فالبيئة لا تنتظر، والفرص لا تتكرر، والأمل لا يعيش طويلاً في ظل التجاهل.