بقلم: برحايل عبد العزيز
في حضن إقليم تاونات، حيث تعانق جبال الريف السماء، تنساب عين بوعادل كشريانٍ نابض بالحياة. تحوّلت هذه الواحة الخضراء، الواقعة على بُعد ثلاثين كيلومتراً من مدينة تاونات، إلى ملاذٍ فريد للهروب من قيظ الصيف، حيث تستقبل يوميًا مئات الزوار بمياهها البلّورية المتساقطة شلّالاتٍ، وخُضرتها النضِرة، وكرم سكانها. وتحت ظلال الأشجار، وعلى ضفاف المجرى المائي، يجد المصطافون لحظات من الانتعاش والسكينة، بينما يزيّن مدخل الموقع سوقٌ للمنتجات المحلية، يبرز تين المنطقة الشهير وحِرفها التقليدية.
في بوعادل، تتشابك الخيوط التنموية وتتعاظم الطموحات. فهذه الأرض تحتضن ثروة مائية جوفية تُعدّ عصب الحياة ومحرّك التنمية، تُنتج تنوعًا زراعيًا يُشكّل ركيزة الاقتصاد المحلي. لكن هذا الجمال لم يعد خافيًا على المستثمرين، الذين شرعوا في الإعلان عن مشاريع سياحية ضخمة، تشمل فنادق، ومسابح، وتعبئة المياه المعدنية، في إطار خطة لتطوير الموقع.
ويواكب هذا التوجّه مشروع بلدي طموح لإعادة تأهيل الفضاء السياحي، يهدف إلى تطوير المقاهي والمطاعم، ودعم بائعي المنتجات المحلية، وتنظيم المحلات التقليدية. ويأتي ذلك في إطار مخطط تشاركي، يجمع بين قطاعات وزارية وفاعلين محليين، لتعزيز جاذبية المنطقة كوجهة وطنية. وترتكز الخطة على تجهيز بنى تحتية متكاملة: إنشاء مسابح، ومنتزهات مائية، وملاعب للأطفال، ومناطق تخييم، إلى جانب تحسين خدمات الإيواء، والمطاعم، ومواقف السيارات، ونقط بيع المنتوجات المجالية. كما تشمل الخطة تأهيل دوّار بوعادل وتوسيع الطريق الإقليمية رقم 5314، الرابطة بين عين مديونة وبوعادل، لفكّ العزلة عن الموقع.
غير أنّ هذا الزخم التنموي يثير قلقًا عميقًا في صفوف سكان بوعادل. وخلال جولة ميدانية قامت بها ميديا تيفي، عبّر عدد من السكان عن مخاوفهم، ليس من التنمية في حدّ ذاتها، بل من تغييبهم عن النقاش وصياغة مستقبل مصدر رزقهم الأهم: الماء.
يقول صاحب أحد المقاهي: “لسنا ضد المشروع، فطموحه كبير ونتمنّى له النجاح، لكن لا أحد يستشيرنا. منتخَبونا يلوذون بصمتٍ مريب. نريد أجوبة صريحة حول استغلال مياهنا: كم ستكون النسبة المستخرَجة؟ فالماء هو حياتنا وأساس بقائنا”.
هذا الصوت يعكس قلقًا جماعيًا من استنزاف مورد حيوي، ترتكز عليه الزراعة واستقرار الساكنة، لصالح مشاريع استثمارية قد لا تراعي التوازن البيئي ولا تضمن مشاركة السكان أو حمايتهم.
إنّ عين بوعادل تُجسّد معضلة التنمية المستدامة في أبهى صورها: كيف نوفّق بين تحفيز السياحة وخلق فرص اقتصادية، وبين صون الموارد الطبيعية وضمان حقوق الساكنة؟ قد تبشّر المشاريع بوجه سياحي حديث، لكن نجاحها الحقيقي يظلّ رهينًا بشفافية التخطيط، وإشراك السكان في اتخاذ القرارات المصيرية، ووضع ضمانات واضحة لحماية هذا الشريان الحيوي.
فالتنمية الحقيقية لا تُقاس بمنشآت تطفو على السطح، بل تُبنى على احترام الإنسان وموارده، وتنطلق من الحوار وتنتهي بتحقيق العدالة الاجتماعية.