امرأة عجوز في شارع النسيان

21 يوليو 2025Last Update :
امرأة عجوز في شارع النسيان

 

في زاوية منسية، على رصيف متآكل في دوار المرابطة بجماعة أولاد ازمام نواحي الفقيه بن صالح، تجلس امرأة عجوز، تغطي جسدها بعباءة متعبة كأنها جزء من ماضيها المثقل. لا ترفع صوتها، ولا تلوّح بيدها لطلب المساعدة، فقط تحدق في المارة، تبحث في عيونهم عن بصيص إنسانية، عن لحظة اعتراف بوجودها.

وجهها المجعّد ليس مجرد تجاعيد العمر، بل خريطة لحياة لم تكن سهلة. في عينيها ظلٌ لضحكة قديمة، وحزن لا يشيخ. هي ليست متشردة فقط، بل متروكة، متروكة من إخوتها، من ذويها، وربما من العالم.

الفقر يسكن جسدها، لكن الأشد قسوة من الفقر هو الإحساس بأنها غير مرئية، أنها مجرد عقبة في الطريق. تمر السيارات دون أن تبطئ، ويعبر الناس دون أن يلتفتوا، وكأنها جزء من ديكور الشارع. ولكنها إنسانة. كانت أما، وأختًا، وربما عمّة أو جارة تُقرع أبوابها في الأعياد. والآن؟ صارت منسية في زمن الذاكرة القصيرة.

يتساءل المارّة بصمت: ما الذي أوصلها إلى هذا المصير؟
هل انقطعت بها السبل؟ هل خذلها إخوتها؟
أم أن الحياة عندما تقسو، لا تكتفي بالقسوة، بل تحرمك حتى من حق السؤال؟

وسط هذا المشهد، ظهرت بارقة أمل. فتاة شابة، لا تحمل سوى طيبة قلبها، توقفت. لم تكتفِ بالنظر، بل انحنت، وقدّمت لها غطاءً وكوب شاي. لم يكن كثيرًا، لكنه كان كافيًا ليقول لها: “أنا أراكِ”. وهذا الاعتراف، وحده، هو الفرق بين الحياة والنسيان.

هذه العجوز ليست حالة فردية، بل مرآة لآلاف النساء والرجال ممن أُلقي بهم في هامش الحياة. في الأزقة، في الأسواق، في الزوايا التي لا تُلتفت إليها. هم شهادة على خلل في صميم إنسانيتنا.

وإذ نكتب هذا النداء، فإننا لا نطلب فقط صدقة، بل نوقظ ضميرًا.
نداء للقلوب الرحيمة: من يستطيع أن يُنقذ هذه السيدة من قسوة الشارع، فليفعل.
ومن لا يملك إلا الكلمة، فليقلها. لأن الكلمة أحيانًا، إن خرجت من القلب، تُشبه حضنًا.

دعونا لا نتركها تموت في الصمت. دعونا لا نجعل من “شارع النسيان” عنوانًا لوطنٍ فقد دفء إنسانيته.

اترك رد

Breaking News