.
بقلم برحايل عبد العزيز.
كشفت حيثيات قرار محكمة طنجة بعدم المصادقة على بعض التعديلات القانونية التي تقدم بها وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عن توتر واضح بين مقتضيات الدستور المغربي وممارسات السلطة التنفيذية في تعاطيها مع مسألة استقلال القضاء. هذا القرار، الذي جاء في سياق يتطلب التزامًا صارمًا بالشرعية الدستورية، يطرح تساؤلات حقيقية حول فهم بعض المسؤولين لأدوارهم وحدود تدخلاتهم.
تنص المادة 107 من الدستور المغربي بشكل صريح على أن “السلطة القضائية مستقلة”، وهو مبدأ لا يقبل التأويل أو التنازل، ويعني أن القضاء ليس تابعًا لأي جهة تنفيذية، بل فاعلٌ مستقل في تفسير القانون وتطبيقه. كما أن المادة 110 تؤكد على ضرورة احترام استقلال السلطة القضائية من قبل جميع السلطات، بما فيها وزارة العدل، وتجعل من التشاور مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية شرطًا أساسيًا في كل ما يتعلق بتنظيم العدالة.
في هذا السياق، يبدو أن تعديلات الوزير، التي لم تمر عبر هذه القنوات الدستورية، تطرح إشكالًا ليس فقط من الناحية القانونية، بل من حيث فلسفة التشريع نفسها، القائمة على الحوار المؤسساتي والتوازن بين السلطات. وهنا تتدخل المحكمة، لا كطرف معارض، ولكن كضامن للدستور وحامٍ لمبادئ دولة الحق والقانون.
رغم أن الوزير أكد في تصريحاته الإعلامية أن وزارته “لا تخشى الرقابة الدستورية بل تشجعها”، فإن هذا الموقف لا يعفيه من المسؤولية الدستورية، خصوصًا إذا كانت النصوص المقترحة تتعارض مع أحكام واضحة صادرة عن أعلى سلطة قانونية في البلاد.
إن النقاش هنا يتجاوز الأبعاد التقنية للتعديلات المقترحة، ليُعيد فتح ملف أعمق يتعلق بمدى احترام المسؤولين للمرجعيات الدستورية، والتزامهم بالعمل في إطار مؤسساتي متوازن يحترم سلطة القضاء ويكرّس الأمن القضائي، كما تنص عليه المادة 113 من الدستور.
يبقى قرار محكمة طنجة إشارة قوية إلى أن الدستور المغربي ليس مجرد نصوص نظرية، بل هو مرجعية ملزمة تُحتّم على جميع الفاعلين – بمن فيهم الوزراء – التقيد بها. وفي ذلك تكمن قوة دولة القانون، التي لا تسمح بأن تكون السلطة وسيلة لتجاوز المبادئ، مهما كانت النوايا المعلنة.