مجلس عمالة فاس في قلب الجدل … مطالب بالشفافية وتدقيق في صرف الدعم العمومي

6 ساعات agoLast Update :
مجلس عمالة فاس في قلب الجدل … مطالب بالشفافية وتدقيق في صرف الدعم العمومي

 

تعيش مدينة فاس، منذ أسابيع، على وقع نقاش عمومي واسع، بعد تداول معطيات تتحدث عن اختلالات محتملة في تدبير بعض الملفات المرتبطة بالدعم العمومي الموجه للجمعيات، وكذا مشاريع ذات طابع اجتماعي وتنموي مثل برنامج أوراش، مما فتح الباب أمام مطالب متعددة بضرورة التوضيح والتدقيق، في انسجام تام مع مبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.

وفي هذا السياق فقد سبق أن مثل رئيس مجلس عمالة فاس أمام الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمدينة فاس في غضون سنة 2023 قصد الاستماع إليه في محضر قانوني، وذلك بناءً على معطيات وردت في سياق أبحاث تمهيدية جارية بخصوص شبهة وجود اختلالات في تنزيل برنامج أوراش الذي يهدف إلى إدماج فئات واسعة في سوق الشغل.

وتجدر الإشارة إلى أن عددًا من الأشخاص قد تم وضعهم رهن تدابير الاعتقال الاحتياطي في هذا الملف، في إطار التحقيق القضائي المفتوح تحت إشراف النيابة العامة المختصة، على خلفية هذه القضية التي ما تزال تفاصيلها قيد البحث القضائي. وقد تمسكت عدة فعاليات مدنية بحق الرأي العام في المعلومة، وبتطبيق مبدأ المساواة أمام القانون، دون أن تُوجَّه اتهامات مُسبقة لأي طرف، احترامًا لقرينة البراءة التي يكفلها الدستور.

بالتوازي مع هذا الملف، يُثير موضوع توزيع الدعم العمومي على الجمعيات بمدينة فاس جدلاً واسعًا، خاصة بعد تأجيل دورة استثنائية لمجلس عمالة فاس كانت مبرمجة بتاريخ 30 أبريل الماضي، وهو ما فتح المجال لتأويلات متعددة في غياب توضيح رسمي.

وقد عبرت عدة أصوات جمعوية، من بينها جمعية “أهل فاس للتنمية والعمل الاجتماعي”، عن ملاحظات نقدية بخصوص طريقة تدبير الدعم، حيث اعتبرت أن العملية تشوبها اختلالات في معايير الانتقاء، داعية إلى مراجعة طرق التوزيع على أساس من الشفافية والمردودية والتنمية الحقيقية.

من جهتها، ترى بعض الجمعيات الثقافية والتنموية أن الدعم يذهب في جزء كبير منه إلى جمعيات رياضية بعينها، في حين يتم تجاهل جمعيات تنشط ميدانيًا في الأحياء الشعبية وتقدم خدمات اجتماعية ملموسة. وتؤكد هذه الجمعيات على أهمية فتح باب الترشيح أمام الجميع وفق دفاتر تحملات واضحة، وربط الاستفادة بمعايير موضوعية قابلة للتقييم.

في مقابل هذه الانتقادات، أشارت مصادر مقربة من مجلس عمالة فاس إلى أن توجهات المجلس تنبني على دعم الشباب والرياضة كمحور أساسي لتأطير الفئات الناشئة، كما ذكرت أن هناك شراكات في طور الإعداد مع مؤسسات صحية وجمعيات اجتماعية، من بينها مشروع تمويل تجهيزات طبية لفائدة المركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني، إلى جانب دعم جمعيات تُعنى بالإعاقة وحماية الطفولة.

هذه المقاربة، وإن كانت تجد صداها لدى بعض الفاعلين، إلا أن عدداً من المتابعين يرون أن النجاعة تظل رهينة بالشفافية والتواصل المؤسساتي المنتظم، وأنه لا بد من تقديم توضيحات شاملة حول معايير الانتقاء وتفاصيل الدعم المخصص لكل جمعية، تحقيقًا لمبدأ الحق في المعلومة وتعزيزًا للثقة في المؤسسات المنتخبة.

وفي ظل تزايد النقاش العمومي، ترتفع الأصوات المطالبة بإجراء تقييم شفاف للمساطر المعتمدة في منح الدعم، وإخضاع هذا الملف للمراقبة المالية والإدارية، سواء من قبل المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المجلس الجهوي للحسابات، وذلك في إطار من التوازن المؤسساتي وتكريس الحكامة الجيدة، التي تُعد ركيزة أساسية للنموذج التنموي الجديد.

ولعل ما يُميز هذه المرحلة، هو حرص المواطنين والجمعيات على تفعيل مقتضيات الدستور المغربي، خاصة ما يتعلق بالتزام المرافق العمومية بمعايير الشفافية والمسؤولية والنزاهة. كما أن التوجه العام للمجتمع بات يُلح على ضرورة محاربة الفساد، وتخليق الحياة العامة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، باعتبارها مدخلًا أساسيًا لإرساء العدالة المجالية.

إن الجدل الذي تشهده مدينة فاس اليوم عن مالية وتدبير مجلس عمالة فاس لا ينبغي أن يُختزل في تصفية حسابات سياسوية، بل يجب أن يُقرأ ضمن سياق أوسع، يهدف إلى إعادة هيكلة العلاقة بين المجالس المنتخبة والمجتمع المدني، على أساس الشراكة الحقيقية والمساءلة المتبادلة.

ولأن المال العمومي هو أمانة في أعناق المسؤولين، فإن كل نقاش يروم تعزيز الشفافية وترشيد النفقات العمومية هو في جوهره دعوة وطنية لإصلاح حقيقي، يُعيد الاعتبار للسياسات الاجتماعية والتنموية، في إطار رؤية مؤسساتية تضع المواطن في صلب الاهتمام.

اترك رد

Breaking News