الاستخبارات المغربية: بين تحديث المنظومة وحماية السيادة في عصر التهديدات الهجينة

ساعتين agoLast Update :
الاستخبارات المغربية: بين تحديث المنظومة وحماية السيادة في عصر التهديدات الهجينة

في سياق عالمي تتقاطع فيه الأزمات الأمنية والتهديدات الجيوسياسية، أصدر معهد R.O.C.K. للدراسات الجيوسياسية وقضايا الأمن تقريراً تحليلياً أعدّه الخبير في العلاقات الدولية الدكتور رشيد الهُدَيِّقي بعنوان: «الاستخبارات في المغرب: التطوّر القانوني والتحوّلات الإستراتيجية ورهانات السيادة في عصر التهديدات الهجينة». التقرير لا يكتفي برصد المسار التاريخي لتطور الجهاز الاستخباراتي المغربي، بل يضعه ضمن دينامية أوسع تعكس قدرة الدولة على التكيف مع التحولات المتسارعة، حيث لم تعد المخاطر محدودة بجغرافيا أو بنوع واحد من التهديدات، بل باتت هجينة، تتقاطع فيها الجريمة المنظمة مع الإرهاب، ويتداخل الأمن الرقمي مع الدبلوماسية.

تكشف القراءة التحليلية أن المنظومة الاستخباراتية المغربية تمثل انعكاساً لقدرة الدولة على إدارة المخاطر وصياغة أنماط ضبط جديدة تستجيب لمتغيرات المرحلة. فهي ليست مجرد أداة ردع، بل آلية استباقية تمنع الانزلاق نحو الفوضى عبر مزيج من الشرعية القانونية، والتفوق التقني، وشبكة التعاون الدولي. فالمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، بقيادة عبد اللطيف الحموشي، تحولت إلى خط دفاع أول ضد الإرهاب والجريمة المنظمة، عبر عمليات استباقية أجهضت عشرات المخططات المرتبطة بتنظيمات متطرفة مثل “داعش” و”القاعدة”، وأسهمت في توقيف مطلوبين دوليين وتزويد أجهزة أمنية أوروبية بمعلومات أنقذت أرواحاً. هذه الفعالية لا تقوم فقط على التكنولوجيا أو المصادر البشرية، بل على علاقة ثقة تُبنى بين جهاز الدولة والمجتمع، حيث يُنظر إلى الأمن كخدمة جماعية وليست مجرد سلطة قسرية.

أما المديرية العامة للدراسات والمستندات، التي يقودها محمد ياسين المنصوري منذ 2005، فتمثل الذراع الخارجية لجمع المعلومات الإستراتيجية ومكافحة التجسس، مع لعب أدوار دبلوماسية غير معلنة في ملفات إقليمية حساسة. من خلال تدخلاتها في منطقة الساحل الإفريقي وحماية القطاعات الإستراتيجية من محاولات الاختراق، يتجلى وعي الدولة بأن حماية الأمن القومي تبدأ من خارج الحدود بقدر ما تبدأ من الداخل، وأن الفعل الاستخباراتي الناجح هو الذي يمزج بين المعلومة الدقيقة والقدرة على التأثير في محيط معقد.

التكامل بين الجهازين يمنح المغرب منظومة أمنية متماسكة، تتوزع فيها الأدوار بين التحصين الداخلي وتأمين المصالح الخارجية، ويعززها عمل مؤسسات داعمة مثل شعبة الاستعلامات العامة، والمديرية الوطنية لأمن النظم المعلوماتية، والهيئة الوطنية لمعالجة المعلومات المالية، بما يوفر قدرة استباقية على التعامل مع التهديدات متعددة الأبعاد. ويقوم هذا التفوق على ثلاث ركائز أساسية: إصلاحات قانونية متدرجة منحت الأجهزة صلاحيات فعّالة ضمن إطار منضبط، تحديث تقني مستمر يواكب ثورة الذكاء الاصطناعي وأمن الفضاء السيبراني، وانفتاح على الشراكات الدولية مع الحفاظ على استقلال القرار السيادي.

إن نجاح هذه المنظومة يعكس إدراكاً عميقاً بأن الاستقرار لا يتحقق فقط عبر مواجهة المخاطر حين تقع، بل عبر منعها من التكوّن في الأساس. وفي زمن تختلط فيه الحدود بين الأمن الداخلي والخارجي، وتتعقد فيه أنماط التهديد، أثبتت الاستخبارات المغربية قدرتها على الجمع بين الحزم والمرونة والرؤية بعيدة المدى، لتبقى حصناً متقدماً يحمي أمن الدولة ويصون سيادتها، ويعيد صياغة توازن القوة في محيط إقليمي ودولي شديد التقلب.

اترك رد

Breaking News