الاتفاق الموقع مؤخرًا بين المغرب والصين لإرساء آلية للحوار الاستراتيجي يتجاوز البعد البروتوكولي العادي، فهو خطوة تعبّر عن إدراك عميق للتحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم. المغرب الذي طالما ربط مستقبله بحلفائه التقليديين في أوروبا والغرب، أصبح اليوم أكثر انفتاحًا على قوى صاعدة مثل الصين، في محاولة لبناء دبلوماسية متعددة الأبعاد تمنحه استقلالية أوسع وتفتح أمامه منافذ جديدة للتنمية.
من الناحية الاقتصادية، الصين تمثل قوة استثمارية ضخمة، تبحث عن شركاء موثوقين في إفريقيا. والمغرب بما يملكه من استقرار سياسي وموقع استراتيجي وبنيات تحتية حديثة، يقدم نفسه كجسر طبيعي بين الشرق والغرب، وبين إفريقيا وأوروبا. الاتفاق الجديد يمكن أن يشكل مدخلًا لتعزيز الاستثمارات في مجالات حيوية مثل الصناعة الخضراء، الطاقات المتجددة، صناعة السيارات الكهربائية، وإنتاج البطاريات، وهي قطاعات تمثل المستقبل الاقتصادي للعالم.
غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هو: إلى أي حد سيتمكن المغرب من تحويل هذه الفرص إلى مكاسب ملموسة للمواطن؟ فالتجارب السابقة أثبتت أن الاستثمارات الأجنبية، مهما كان حجمها، قد تظل محدودة التأثير إذا لم تُصاحبها سياسة واضحة لنقل التكنولوجيا، وتوفير فرص عمل ذات جودة، وضمان اندماج فعلي في النسيج الاقتصادي الوطني. الخطر الأكبر يكمن في الارتهان المفرط للقوى الخارجية أو السماح للشركات العملاقة بالهيمنة دون رقابة فعالة.
في المقابل، يمكن للمغرب أن يستثمر هذه العلاقة لتعزيز موقعه الجيوسياسي. فوجود شراكة قوية مع الصين يمنحه أوراق ضغط إضافية في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما يرسّخ دوره كفاعل محوري في القارة الإفريقية. لكن ذلك يتطلب وضوح رؤية وقدرة تفاوضية عالية لضمان توازن المصالح، بعيدًا عن منطق التبعية.
الخلاصة أن الاتفاق مع الصين يمثل فرصة تاريخية للمغرب، لكنه في الوقت نفسه اختبار حقيقي لنجاعة سياساته وقدرته على جعل هذه الشراكة رافعة للتنمية الوطنية. فالمعادلة واضحة: إما أن يتحول التعاون إلى مكسب استراتيجي شامل يخدم المواطن قبل أي طرف آخر، أو أن يبقى مجرد وثيقة سياسية تُضاف إلى أرشيف العلاقات الدولية دون أثر يُذكر على أرض الواقع.
آية الاجراوي