الدبلوماسية القضائية المغربية تعزز حضورها الإفريقي عبر شراكة استراتيجية مع نيجيريا

23 سبتمبر 2025Last Update :
الدبلوماسية القضائية المغربية تعزز حضورها الإفريقي عبر شراكة استراتيجية مع نيجيريا

 

يشكل اللقاء الذي جمع يوم الثلاثاء 23 شتنبر 2025 بمقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالرباط، بين السيد محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ونظيره النيجيري السيد محمد بابادوكو أبوبكار، مدير المتابعات العمومية بجمهورية نيجيريا، محطة جديدة في مسار ترسيخ الدبلوماسية القضائية المغربية كأحد المداخل الحيوية لتعزيز التعاون جنوب–جنوب.

 

هذا الاجتماع، الذي جاء في إطار زيارة رسمية يقوم بها وفد قضائي نيجيري رفيع المستوى إلى المملكة، لم يكن مجرد بروتوكول دبلوماسي عابر، بل حمل في طياته إشارات قوية إلى أن المغرب يسعى إلى جعل القضاء رافعة استراتيجية في علاقاته الإفريقية، من خلال تبادل الخبرات، وتوسيع مجالات التكوين، والارتقاء بالنجاعة القضائية والرقمنة إلى أفق إقليمي مشترك.

 

لقد أتاح اللقاء استعراض الأوراش الكبرى التي انخرط فيها البلدان في سبيل تحديث العدالة؛ حيث قدم الجانب المغربي تجربته في رقمنة المساطر وتحديث الإدارة القضائية، وهي تجربة باتت تحظى بتقدير قاري، في حين عرض الوفد النيجيري مسار الإصلاحات التي تباشرها بلاده من أجل توسيع نطاق العدالة وتحقيق فعالية أكبر في أداء مؤسساتها القضائية. هذا التبادل يعكس إرادة مشتركة في بناء قضاء إفريقي متطور قادر على مجاراة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.

 

وتكمن أهمية هذا اللقاء أيضاً في كونه ينسجم مع الرؤية الاستراتيجية للمملكة المغربية، التي جعلت من التعاون الإفريقي خياراً ثابتاً، ليس فقط على المستوى السياسي والاقتصادي، بل كذلك على المستوى القضائي والمؤسساتي. فالعدالة – باعتبارها أساس دولة القانون – أصبحت اليوم جزءاً من الدبلوماسية الناعمة التي تسعى من خلالها الرباط إلى توطيد روابط الثقة والتكامل مع شركائها الأفارقة.

 

إن تعزيز التعاون القضائي بين المغرب ونيجيريا يحمل بعداً يتجاوز العلاقات الثنائية، فهو يمثل رسالة إلى القارة بأكملها مفادها أن الإصلاح القضائي لا يمكن أن ينحصر في التجارب الوطنية الضيقة، بل يجب أن يقوم على تبادل التجارب وتكامل الرؤى. وهو ما يفتح المجال لبناء فضاء قضائي إفريقي متماسك، قادر على حماية الحقوق والحريات، وجذب الاستثمارات، ودعم التنمية المستدامة.

 

في هذا السياق، يبرز الدور المحوري للسيد محمد عبد النباوي، الذي أضحى رمزاً لإرادة المغرب في تحديث العدالة وتثبيت استقلاليتها. فهو لا يمثل فقط سلطة قضائية عليا، بل كذلك مهندس الدبلوماسية القضائية المغربية، بما يمتلكه من خبرة قانونية واسعة ورؤية إصلاحية واضحة. إن حضوره في مثل هذه اللقاءات يبعث برسالة سياسية ودبلوماسية مفادها أن المغرب يقود مشروعاً إصلاحياً متكاملاً، يجعل من القضاء جسراً للتواصل والتعاون، وأداة لترسيخ صورة المملكة كفاعل إفريقي ملتزم ببناء مستقبل مشترك أساسه العدل وسيادة القانون.

 

ولعل أجمل ما يمكن أن يختزل روح هذا المسار هو ما قاله الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: “العدل هو الغاية من وجود المجتمعات، وإذا ضاعت العدالة انهارت الدول”. من هنا، فإن المغرب، من خلال خطواته في الدبلوماسية القضائية، لا يسعى فقط إلى تعزيز حضوره في إفريقيا، بل إلى بناء فضاء قاري يجد في العدالة أساس بقائه واستمراره.

اترك رد

Breaking News