إبني العزيز سجنكَ نفسكَ فإذا خرجت منها وقعت في راحة إلى الأبد، أما تلك الجدران الإسمنتية والقضبان الحديدية التي تقيم بينها الآن فستغادرها ، ولا مُقام لك فيها ، السجن الكبير أن تكون مسجون محيطاتك وهيكل ذاتك ، أما حكم ربك عندما قضى في أزل الآزال لتقضي ثلاثة سنوات في زنزانة إنفرادية ليس بالحقيقة إلا منعاً ظاهراً لعطاءٍ خَفي ، فالذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الإختيار .
أوصيك بظهر الغيب ، إياك والقلق والضجر والقنوط .. ولا تهمل طبيعتك الاولى ذات البدايات المشرقة فمن علامات النجاح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات ، وجاء في الحكم : { إنما أجرى عليك الأذى منهم كي لا تكون ساكناً إليهم } ، ويقول العارفون : السوط من العدو سوط الله يرد به القلوب اذا شردت عنه ، وإلا رقد القلب في ظل العزة والجاه وهو حجاب عن الله عظيم .
إن مسك قرحٌ فقد مسنا قرح أكثر منه ، السجن دخله أسلافُك ، ذاق الآمه والدك ، ربط فيه أجدادك ، لنا معه دكريات كثيرة يعرفنا ونعرفه ، نحن شجرة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء يتمايل مع الرياح يداريها ويجاريها ، ترحل رياح المكر و ترحل رياح المكر و الغدر والخديعة والخدلان وتبقى شجرة الحق في كل ضربة تتجدد وبوقوف لا يتبدد …
إبني العزيز إن تكالبوا عليك وإجتمعوا لإسقاطك وتفقوا على سجنك وتآمروا قصد إسكاتك فأنت من إخترت طريق المنعرجات المحفوف بمثل هذه المخاطر وإن شاركتهم نفس الاتجاه … لم يصدقوك .. ينظرون اليك نظرة قديمة … وحسب عقيدتهم لابد من تحطيم تلك ( الروح الأولى )…
إعلم يابني أنك بالنسبة إلينا منزه عن أي سراب خادع أو رسم مزيف بُغية تأثيت مشهد رديئ فضحه التكرار في الإنتاج والإخراج وصار من الخبث بمكان في مسلسل عنوانه الابرز { صناعة المكائد} ، اغتصاب قاصر .. تحرش جنسي.. إبتزاز .. هكذا أسلوب حياتهم الجديد القديم في زمن لا أخلاق …
إرفع رأسك بإجلال وإكبار فقد إنتصرت على الزمان والمكان عندما إعتبرت سجنك عزلةً للقراءة وخلوة للكتابة ومرحلة هامةً للإعداد والإختمار وقضيت سنواتك تلتهم المجلدات وتتناول الكتب بمعارفها ومغارفها تمحيصاً وتدقيقا ، لم يضع يوم من عمرك عبثاً وهذا هو إبني الذي أعرفه ، شهماً ذكياً ، عالي الهمة ، عظيم الهيبة ، أذيباً نبيلاً ، مولوعاً بالعلم والمعرفة ، ذو أصالة ونظر يدلل الصعاب ويُسنِن العقاب ويتغلب بطول أمله وحسن مصابرته على جميع المشاق .
إن كان الدهر الخؤون قد أفنى حربه عليك وسخر كل الوسائل ما ظهر منها وما بطن لبلوغ غرضه وسيئ مراميه ، فكل ذالك والله لم ينزلك من علوك الشاهق ولم ينل أبدا من نورك البارق ، وإن أرادوا غلق بابٍ فقد فتح الله آلاف الأبواب في وجهك ، الكل في إنتظارك أملاً وشرفاً لملاقاتك ، ولا نُخفيك الشوق الكبير لأهلك ورفاقك وأحبابك لمجالستك ومعانقتك ….
– رسالتنا اليك أدل على مقدار حبنا لك وأصدق شاهد من الغيب عندك… والدك عبد الناصر القاسمي.